قال أبو الفتح : نصبه على أنه توكيد لـ"هن" من قوله١ :"آتَيْتَهُنَّ"، وهو راجع إلى معنى قراءة العامة :﴿كُلُّهُنَّ﴾، بضم اللام؛ وذلك أن رضاهن كلهن بما أوتين كلهن على انفرادهن واجتماعهن، فالمعنيان إذًا واحد، إلا أن الرفع أقوى معنى وذلك أن فيه إصراحا من اللفظ با، يرضين كلهن، والإصراح في القراءة الشاذة - أعني النصب - إنما هو بإيتائهن كلهن، وإن كان محصول الحال فيهما مع التأويل واحدا.
ومن ذلك قراءة الحسن :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فَصَلُّوا عليه٢".
قال أبو الفتح : دخول الفاء إنما هو لما ضُمنه الحديث من معنى الشرط، وذلك أنه إنما وجبت عليه الصلاة منا لأن الله "سبحانه" قد صلى عليه، فجرى ذلك مجرى قولهم : قد أعطيتك فخذ، أي٣ : إنما وجب عليك الأخذ من أجل العطية : وإذا قال قد أعطيتك خذ، فالوقوف على أعطيتك، ثم استأنف الأمر له بالأخذ فهو أعلى٤ معنى، وأقوم قيلا.
وذلك أنه إذا علل الأخذ، فجعله واجبا عن العطية فجائز أن يعارضه المأمور بالأخذ بأن يقول : قد ثبت أن الأخذ لا يجب بعطيتك، فإن كان أخذي لغير ذلك فعلت. وهو إذ ارتجل قوله : خذ لم يسرع المعارضة له في أمره إياه؛ لاستبهام معنى [١٢٨ظ] موجب الأخذ، كما قد تقع المعارضة إذا ذكر العلة في ذلك. فإن قلت فقد يجوز أن يعارض أمره بالأخذ مرسلا، كما قد يعارضه معللا. ألا تراه قد يقول له : اذكر لي علة الأخذ لأرى فيه رأيي فيتوقف عن الأخذ إلى أن يعرف علة الأمر له بذلك؟ قيل على كل حال الأمر المحتوم به على حالاته أثبت في النفس من المعلل بما يجوز أن يعارض. وإذا راجعت نظرك وأعملت فكرتك وجدت الحال فيه على ما ذكرت لك، فلذلك كان قوله تعالى :﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ أقوى معنى.
٢ سورة الأحزاب : ٥٦.
٣ سقط في ك من "أي" إلى "خذ".
٤ في ك : أقوى.