ومن ذلك قراءة عيسى بن عمر الكوفي :"يَوْمَ تُقَلِّبُ وُجُوهَهُمْ"١، نصب.
قال أبو الفتح : الفاعل في "تُقَلِّبُ" ضمير السعير المقدم الذكر في قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، ثم قال :"يَوْمَ تُقَلِّبُ"، أي : تُقَلِّبُ السعيرُ وجوههم في النار، فنسب الفعل إلى النار، وإن كان المُقَلِّبُ هو الله سبحانه، بدلالة قراءة أبي حيوة :"يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهَهُمْ"، لأنه إذا كان التقليب فيها جاز أن ينسب الفعل إليها للملابسة التي بينهما، كما قال الله :﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾٢، فنسب المكر إليهما لوقوعه فيهما، وعليه قول رؤبة :
فَنَامَ لَيْلِي وتَجَلَّى هَمِّي٣
أي : نمتُ في ليلِي : وعليه نفى جرير الفعل الواقع فيه عنه فقال :
لقد لُمْتِنا يا أمَّ غَيلانَ في السُّرَى ونِمتِ ومَا لَيْلُ المطِيِّ بنائمِ٤
فهذا نفي لمن قال : نام لَيْلُ المطِيِّ، وتطرقوا من هذا الاتساع إلى ما هو أعلى منه، فعليه بيت الكتاب :
أما النهارُ فَفِي قَيْدٍ وسِلْسِلةٍ والليلُ فِي جَوفٍ منحُوتٍ من السَّاجِ٥
فجعل النهار نفسه في القيدِ والسلسلةِ، والليلَ نفسَه في جوفِ المنحوتِ. وإنما يريد أن هذا المذكور في نهاره في القيد والسلسلة، وفي ليله في بطن المنحوت. وقد جاء هذا في الأماكن أيضا، وعليه قول رؤبة :
ناجٍ وقدْ زَوْزَى بنا زِيزَاؤه٦
٢ سورة سبأ : ٣٣.
٣ تجلى همي : انكشف. وانظر الديوان : ١٤٢.
٤ أم غيلان : بنت جرير. والمطي : جمع مطية، وهو الراحلة يمتطى ظهرُها، أي يركب، وليل المطي : أي ليل ركاب المطي. يقول : دعى اللوم، فنحن لما نرجو من غب السري لا نصغى إليه. الديوان : ٥٥٤، والكتاب : ١ : ٨٠، والخزانة : ١ : ٢٢٣.
٥ يروى "قمر" مكان "جوف"، يصف محبوسا يقيد بالنهار ويغل في سلسلة، ويوضع بالليل في خشبة منحوتة، أي محفورة. والساج : من شجر الهند. الكتاب : ١ : ٨٠.
٦ زوزى الرجل يزوزي زوزاة، نصب ظهره، وأسرع، وقارب الخطو. الديوان : ٤، واللسان "زوى".