قال أبو الفتح : المشهور المجمع١ عليه في ذلك :"مِنْسَأتَهُ" : بالهمز، وبالبدل من الهمز، وهي العصا : مفعلة من نسأتُ الناقة والبعير : إذا زجرتَه. قال الفراء : هي العصا العظيمة تكون مع الراعي، وأنشد أبو الحسن :
إذا دببتَ على المنساةِ من كِبَرٍ فَقَدْ تباعَدَ عنْكَ اللهْوُ وَالْغَزَلُ٢
وقال الفراء : هي من سِئَة القوْس، وهي مهموزة. وقال غيرُه : أسأيتُ القوس، فالمحذوف من "سئة" هو اللام، وأن يكون ياء أجدر؛ لغلبة الياء على اللام، وكان رؤبة يهمز سئة القوس. قال الفراء : ولم تقرأ "مِن سَأتِهِ"، ولم تثبت عند قراءة سعيد بن جبير. قال : ويجوز فيها سِئَة وسَأَة، وشبهها بالقِحَة والقَحَة، والضِعَة٣ والضَعَة.
وبعد فالتفسير إنما هو على العصا لا سئة٤ القوس، وهي من ن س ء، فإن كانت "السأة" من نسأت فيه علة، والفاء محذوفة. وهذا الحذف إنما هو من هذا الضرب في المصادر، نحو : العدة، والزنة، والضعة، والقحة. وذلك مما فاؤه واو لا نون، ولم يمرر بنا ما حذفت نونه وهي فاء. وسئة القوس : فعة، واللام محذوفة كما ترى.
قال أبو حاتم : إن ابن إسحاق سأل أبا عمرو : لم تركت همز "منسأته"؟ فقال : وجدت لها في كتاب الله أمثالا :﴿هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة﴾٥، و﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم﴾٦. وقال هارون كان أبو عمرو يهمز، ثم تركها.
قول أبي عمرو :"خَيْرُ الْبَرِيَّةِ"، و"لَتَرَوُنَّ"، يريد أن "البرية" من برأ الله الخلق، فترك همزها تخفيفا. وكذلك "لَتَرَوُنَّ"، يريد تخفيف همز "ترى"؛ لأن أصلها ترأى، فاجتمع على تخفيف الهمزتين في الموضعين. ولا يريد أن واو "لَتَرَوُنَّ" غير مهموزة؛ وذلك لأن همز هذه الواو لضمتها شاذ من حيث كانت الحركة لالتقاء الساكنين، وليست بلازمة.

١ في ك : المجتمع عليه.
٢ روي "هرم" مكان "كبر". وانظر البيان والتبيين : ٣ : ٣١، والبحر : ٧ : ٢٥٥، واللسان "نسأ".
٣ في القاموس : والضعة "بالكسر" قبيحة.
٤ في ك : لا على.
٥ سورة البينة : ٧.
٦ سورة التكاثر : ٦.


الصفحة التالية
Icon