إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}١، أي : ما حرم إلا الفواحش، وعليه بيت الفرزدق :
أنا الدافِعُ الحَامِي الذّمارَ وإنَّما يُدَافِعُ عن أحسابهم أنا أو مِثْلِي٢
أي : ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا. ولذلك عندنا ما٣ فصل الضمير، فقال : أنا، وأنت لا تقول : يقوم أنا، ولا نقعد نحن. ولولا ما ذكرنا من إرادة النفي لقبُح الفصل، وأنشدَنا أبو علي :
فاذْهَبْ فأيُّ فتًى في الناسِ أحْرَزَهُ مِن يَوْمِه ظُلَم دُعجٌ وَلا جَبَلُ٤
أي : ما أحد أحرزه هذا من الموت، ونظائره كثيرة.
وإن شئت علقت "إذ" يمحذوف، وجعلته خبرا عن "مَكَرَّ"، أي : كرورهما في هذا الوقت الذي تأمروننا فيه أن نكفر بالله، والمعنى في الجميع راجع إلى عصب الذنب٥ بهم، ونسب الضلال إليهم.
ومن ذلك قراءة أبي حيوة :"مِنْ كُتُبٍ يَدَّرِسُونَهَا"٦، بتشديد الدال مفتوحة، وبكسر الراء.
قال أبو الفتح : هذا يفتعلون من الدرس، وهو أقوى معنى من "يدرسونها"؛ وذلك أن افتعل لزيادة التاء فيه أقوى معنى من فعل. ألا ترى إلى قول الله تعالى :﴿أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾٧؟ فهو أبلغ معنى من قادر، وهو أشبه بما تقدمه من ذكر الأخذ والعزة. نعم، وفيه أيضا معنى

١ سورة الأعراف : ٣٣.
٢ روي الشطر الأول :
أنا الضامن الراعي عليهم وإنما
٣ ما زائدة والذمار : كل ما يلزمك حمايته وحفظه والدفع عنه، وانظر الديوان : ٧١٢.
٤ البيت للمتنخل الهذلي، يرثي ابنه أثيلة. وفي الأصل "ظلل" مكان "ظلم"، وهو تحريف. وأحرزه : عصمه. والدعج : جمع الأدعج، وهو الأسود. يريد أن الموت لا ينجي منه الاستتار بالظلام، أو الاعتصام بالجبال. وانظر ديوان الهذليين : ٢ : ٣٥، والخصائص : ٢ : ٤٣٣.
٥ سقطت "الذنب" في ك.
٦ سورة سبأ : ٤٤.
٧ سورة القمر : ٤٢.


الصفحة التالية
Icon