ورواه أيضا : من بعد ما طاف أهلها، وقال : معناه صوت إنسان.
ويحتمل ذلك عندي وجها آخر ثالثا، وهو أن يكون أراد يا إنسان، إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين، فقال : ياسين، "فيا" فيه الآن حرف نداء، كقولك : يا رجل. ونظير حذف بعض الاسم قول النبي ﷺ : كفى "بالسيف شا"، أي : شاهدا، فحذف العين واللام. وكذلك حذف من إنسان الفاء والعين، غير أنه جعل ما بقي منه اسما قائما برأسه، وهو السين، فقيل : ياسين، كقولك : لو قست عليه في نداء زيد : يا دال. ويؤكد ذلك١ ما ذهب إليه ابن عباس في "حم عسق" ونحوه أنها حروف من جملة أسماء الله "عز وجل"، وهي : رحيم، وعليم، وسميع، وقدير. ونحو ذلك. وشبيه به قوله :
قُلْنا لها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ٢
أي : وقفَتْ، فاكتفت بالحرف منه الكلمة.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وابن يعمَرَ ويزيد البربري وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن المهلب والنخعي وابن سيرين، بخلاف :"فَأَعْشَيْنَاهُمْ"٣.
قال أبو الفتح : هذا منقول من عَشِيَ يَعْشَى : إذا ضعف بصره فَعَشِيَ وأعشَيْتُه، كعَمِيَ وأعْمَيْتُه. وأما قراءة العامة :﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ﴾ فهو على حذف المضاف، أي : فأغشيْنا أبصارَهُم : فجعلنا عليها غِشاوَة.
وينبغي أن يعلم أن غ ش ي يلتقي معناها مع غ ش و؛ وذلك أن الغشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما يركب صاحبه ويتجلله، غير أنهم خصوا ما على العين بالواو، وما على
٢ للوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان "رضي الله عنه" لأمه، وكان يتولى الكوفة له، فاتهم بشرب الخمر، فكتب إليه الخليفة يأمره بالشخوص إليه، فخرج في جماعة، ونزل الوليد يسوق بهم، فقال :
قلْتُ لها : قِفِي، فقالت : قاف لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف
والنشوات من معتق صاف وعزف قينات علينا عزاف
والإيجاف : العدو وهو أيضا : الحمل عليه وانظر شواهد الشافية : ٢٦١ وما بعدها. والخصائص : ١ : ٣٠، والأغاني : ٥ : ١٣١.
٣ سورة يس : ٩.