القلب بالياء؛ من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء، وما يبدو للناظر من الغشاوة على العين أبدى للحس مما يخامر القلب؛ لأن ذلك غائب عن العين، وإنما استدل عليه بشواهده لا بشاهده ومعاينه. ولهذا في هذه اللغة من النظائر ما لو أودع كتابا لكبر حجما، وكثر وزنا. ومحصول الحال واسع وكثير، لكن المحصل له نزر قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن والزهري :"أَنْذَرْتَهُمْ"١، بهمزة واحدة على الخبر.
قال أبو الفتح : الذي ينبغي أن يعتقد في هذا أن يكون أراد همزة الاستفهام كقراءة العامة :﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾، إلا أنه حذف الهمزة تخفيفا وهو يريدها، كما قال الكميت :
طَرِبْتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطْرَبُ ولا لَعِبًا مِنِي وذُو الشَّيبِ يَلْعَبُ٢
قالوا : معناه : أو ذو الشيب يلعب؟ تناكُرًا لذلك، وتعجُّبًا. وكبيتِ الكتاب :[١٣٣ظ]
لعمْرُكَ ما أدْرِي وإن كنْتُ دارِيًا شُعيْثُ ابنُ سَهْمٍ أمْ شُعيْثُ ابنُ مِنْقَرِ٢
يريد : أشعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر؟
ويدل على إرادة هذه القراءة الهمزة وأنها إنما حذفت لما ذكرنا بقاء "أم" بعدها، ولو أراد الخبر لقال : أولم تنذرهم. فإن قيل : تكون "أم" هذه منقطعة، كقولهم : إنها لإبِل أمْ شَاءٌ٣، قيل : إذا قدرت ذلك بقي قوله تعالى :﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِم﴾ منقطعا لا ثاني له، وأقل ما يكون خبر سواء اثنان. فقد علمت٤ بهذا أن قول ابن مجاهد على الخبر لا وجه له، اللهم إلا أن يُتحمَّل له، فيقال : أراد بلفظ الخبر وفيه من الصنعة ما تراه.
ومن ذلك قراءة الماجشون :"أنْ ذُكِّرْتُمْ"٥، بهمزة واحدة مفتوحة مقصورة، ولا ياء بعدها وقرأ :"أَيْنَ" بهمزة بعدها ياء ساكنة، والنون مفتوحة "ذُكِرْتُمْ"، مضمومة الذال، خفيفة الكاف الأعمش وأبو جعفر يزيد.
٢ انظر الصفحة ٥٠ من الجزء الأول.
٣ جمع شاة، وهي الواحدة من الغنم، للذكر والأنثى.
٤ سقطت "علمت بهذا" في ك.
٥ سورة يس : ١٩.