قال أبو الفتح : أما "أَنْ ذُكِّرْتُم" فمنصوبة الموضع بقوله سبحانه :﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾، وذلك أنهم لما قالوا لهم :﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾، أي : تشاءمنا، قالوا لهم جوابًا عن ذلك : بل ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾، أي : بل شؤمكم معكم١ "أَنْ ذُكِّرْتُم"، أي : هو معكم لِأَنْ ذُكِّرْتُمْ، فلم تذكروا، ولم تنتهوا. فاكتفى بالسبب الذي هو التذكير من المسبب الذي هو الانتهاء، على ما قدمناه من إقامتهم كل واحد من المسبب والسبب مقام صاحبه. ووضعوا الطائر أيضا موضع مسببه وهو التَّشَؤمُ٢، لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيقَ الغراب أو بُرُوحَه٣ ونحو ذلك. ومَن رأى أنّ "أنْ" قد حُذِفَ الجارُّ عن لفظها وإرادتِه فيها مجرورةً رأى ذٍلك هنا فيها، وهو الخليل.
وأما "أَيْنَ ذُكِرْتُمْ" فمعناه أين حَلَلْتُم، وكنتم، ووُجِدْتم؛ فَذُكِرْتُم. فاكتفى بالمسبب الذي هو الذكر من السبب الذي هو الوجود، و"أَين" هنا شرط وجوابها محذوف لدلالة ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ عليه، فكأنه قال : أَيْن ذُكِرْتُم، أو أين وجدتم شؤمكم معكم. وهذا كقولك : سَيفُك معك أين حَلَلْت، وجُودك معك متى٤ سئلت كنت جوادا، وكقولك : أنت ظالم إن فعلت، أي : إن فعلت ظلمت. ولا يجوز الوقوف في هاتين القراءتين على "معكم" لاتصال "أنْ" و"أين" بها، لكن على٥ قراءة من قرأ بالاستفهام :"أئِنْ ذُكِّرْتُم"؟ لأن الاستفهام يقطع ما قبله عما بعده؛ لأن له صدر الكلام؛ فكأنه قال : بل طائركم معكم ردًّا عليهم، ثم استأنف مستفهمًا، وهو يريد الإنكار.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر ومعاذ بن الحارث :"إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ"٦.
وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود :"إلا زَفْيَةً".
قال أبو الفتح : في الرفع ضعف؛ لتأنيث الفعل، وهو قوله :"كانت". ولا يقوى أن تقول : ما قامت إلا هند، وإنما المختار من ذلك : ما قام إلا هند؛ وذلك أن الكلام

١ سقطت "معكم" في ك.
٢ في ك : التشاؤم، وأصل التشاؤم : الأخذ إلى الشمال، وبه يكون تشاؤمهم.
٣ بروحه : مروره من الميامن إلى المياسر.
٤ في ك :"أين" ويبدو أن في العبارة سقطا بعد "سئلت"، وهو "أي متى سئلت كنت".
٥ أي : لكن يجوز على قراءة من قرأ.
٦ سورة يس : ٢٩.


الصفحة التالية
Icon