فِي أَيْمَانِكُمْ}١. قالوا في تفسيره : هو كقولك : لا والله، وبلى والله. فأين سرعة اللفظ بذكر اسم الله تعالى هنا من التثبت فيه، والإشباع له، والمماطلة عليه من قول الهذلي :
فَوَاللهِ لا أَنْسَى قَتِيلا رُزِئْتُهُ بِجَانِبِ قُوسَى مَا مَشَيْتُ علَى الأرْضِ٢؟
أفلا ترى إلى تَطَعُّمِكَ٣ هذه اللفظة في النطق هنا٤ بها، وتَمَطِّيكَ لإشباع معنى القسم [١٣٤ظ] عليها؟ وكذلك أيضا قد ترى إلى إطالة الصوت بقوله من بعده :
بَلَى إنَّها تَعْفُو الكُلُومُ وإنما نُوكَّلُ بِالأَدْنَى وإنْ جَلَّ مَا يَمْضِي٥
أفلا تراهُ - لما أكذب نفسه، وتدارك ما كان أفرط في اللفظ - أطال الإقامة على قوله : بلى؛ رجوعا إلى الحق عنده، وانتكاثًا عما كان عقد عليه يمينه؟ فأين قوله هنا :"فوالله"، وقوله : بلى، منهما في قوله : لا والله، وبلى والله؟
وعليه قوله تعالى :﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾٦، أي : وكَّدتموها، وحققتموها وإذا أوليت هذا أدنى تأمل عرفت منه وبه ما نحن بسبيله وعلى سمته، وعلى هذا قال سيبويه : إنهم يقولون : سِيرَ عليه لَيْلٌ، يريدون : ليلٌ طويلٌ. وهذا إنما يفهم عنهم بتطويل الياء، فيقولون : سِيرَ عليه ليلٌ٧، فقامت المدة مقام الصفة.
ومن ذلك ما تستعمله العرب من إشباع مدات التأسيس والردف والوصل والخروج عناية بالقافية، إذ كانت للشعر نظاما، وللبيت اختتاما.
أخبرنا أبو أحمد الطبراني عن شيخ له ذكره عن البحتري، قال : سمعت ابن الأعرابي يقول : استجيدوا القوافي، فإنها حوافر الشعر. وقال لي الشجري في بعض كلامه : القافية
٢ لأبي خراش الهذلي في رثاء أخيه عروة، وقد قتل بقوسى : بلد بالسراة. وضبطت العبارة في القاموس والتاج بفتح القاف، وبالقلم في الأصل والديوان بضمها. وانظر ديوان الهذليين : ٢ : ١٥٨، والحماسة : ١ : ٣٣٢، والخزانة : ٢ : ٤٥٨.
٣ في ك : تطفك، وهو تحريف. وتطعم الشيء : ذاقه.
٤ ساقطة في ك.
٥ يروى "على" مكان "بلى" وتعفو : تمحى. يريد أن حرقة الأسى وإن جلت يعفو أثرها مع الأيام، وإنما يشتد الجزع من المصيبة القريبة العهد.
٦ بقية الآية ٨٩ السابقة من سورة المائدة.
٧ عبارة الكتاب "١ : ١"٢ :"وتقول : سير عليه ليل طويل، وسير عليه نهار طويل وإن لم تذكر الصفة وأردت هذا المعنى رفعت إلا أن الصفة تبين بها معنى الرفع وتوضحه".