بعده ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾؟ قيل : يكون على أن كل واحد منهم قال :"يَا وَيْلَتَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا"، كما يقول الرجل : صبرا على ما حكم الله به علينا، ورضيت بما قسم الله لنا، ونحوٌ منه قول الله تعالى :﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾١، أي : اجلدوا كل واحد منهم. ومثله ما حكاه أبو زيد من قولهم : أتينا الأمير فكسانا كلنا حلّة، وأعطانا كلنا مائة، أي : كسا كل واحد منا حلة، وأعطى كل واحد منا مائة.
ومن ذلك قراءة أبي بن كعب :" منْ هَبَّنَا مِنْ مَرْقَدِنَا"٢، يعني أصحاب القبور.
قال أبو الفتح : قد أثبت أبو حاتم عن ابن مسعود :"مَنْ أهَبَّنَا"، بالهمزة. وهي أقيس القراءتين. يقال : هَبَّ من نومه، أي : انتبه وأَهْبَبْتُهُ أنا، أي : أنبهته. قال :
أَلَا أَيُّها النُّوَامُ وَيْحَكُمُ هُبُّوا أُسَائِلُكُمْ : هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ٣
فأما "هبَنَّي" أي : أيقظني فلم أر لها في اللغة أصلا، ولعلها لغة قليلة، ولا مَرَّ بنا مَهْبُوب، بمعنى مُوقَظ. وهي - مع حسن الظن بِأُبَيّ - مقبولة. وقد أثبتها أبو حاتم أيضا، اللهم إلا أن يكون حرف الجر معها محذوفا، أي : وهب بنا، بمعنى أيقظنا، ثم حُذف حرف الجر، فوصل الفعل بنفسه. وليس المعنى على من هَبَّ فَهَبَبْنَا معه كقولك : انتبَهَ وأَنْبَهَنا٤ معه، وإنما معناه من أيقظنا. ألا ترى إلى قول الله "سبحانه" ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم﴾٥ ليس معناه "تعالى" أنه ذهب وذهب بنورهم معه؟ هذا مدفوع عن الله تعالى، وإنما معناه : أَذْهَبَ نُورَهُمْ، فذَهَبَ بِهِ كأَذْهَبَهُ، أي أزاله وأنفده٦، فاعرف ذلك.
ومن ذلك قراءة محمد بن كعب القُرَظيّ :"وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سِلْمٌ قَوْلًا"٧.
٢ سورة يس : ٥٢، وقراءة الجماعة :﴿مَنْ بَعَثَنَا﴾.
٣ لجميل من سبعة أبيات في سمط اللآلي : ٩٤٦، ورواية الصدر فيه :
ألا أيها الركب النيام إلا هبوا
وانظر الأمالي : ٢ : ٣٠٢.
٤ كذا بالأصل، والسياق يقتضي "انتبهنا".
٥ سورة البقرة : ١٧.
٦ في ك : وأبعده.
٧ سورة يس : ٥٨.