قريب من لفظ وَزَفَ، أي : أسرع، وقريب من معناه. ولم يثبت الكسائي ولا الفراء :"وَزَفَ"، إلا أن ظاهر اللفظ مقتضٍ لها على ما مضى. وعلى أن أحمد بن يحيى قد أثبت وَزَفَ : إذا أسرع، وشاهده عنده هذه القراءة :"يَزِفُونَ" أي : يسرعون.
ومن ذلك قراءة الأعمش والضحاك :"فَانْظُرْ مَاذَا تُرَى"١، بضم التاء.
قال أبو الفتح : رُوِّينا عن قطرب :"مَاذَا تُرَى"، و"تُرِي" بفتح الراء وكسرها.
فَتُرَى، أي : يُلْقَى إليك، ويُوقَعُ في خاطرك.
وأما "تُرِي" فتشير به، وتدعو إلى العمل بحسبه.
و"تَرَى" هذه ليست من معنى الرؤية بالبصر؛ لأن الرأي ليس مما تدركه حاسة البصر، ولا هي من معنى العلم أيضا؛ لأنه ليس يكلفه هنا أن يقطع له بصريح الحق وجَليّة اليقين، وإنما يسأله عما يُحضره إياه رأيُه، فهي إذًا من قولك : ما رأيك في هذا؟ وما الذي يَحْضُرُك في كذا؟
ومنه قول الله "تعالى" :﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾٢، أي : بما يُحْضِرُك إياه الرأي والخاطر. وفيه شاهد لجواز اجتهاد النبي "صلى الله عليه وسلم". ومنه قولهم : فلان يرى رأي الخوارج، ويرى رأي أبي حنيفة، أي : يذهب مذهبه ويعتقد اعتقاده، ليس أنه يُبصر بصرَه، ولا يعلم يقينا علمَه، وإنما هو أن يعتقد رأيَه، صوابًا كان، أو خطأ.
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود ومجاهد والضحاك والأعمش والثوري وجعفر بن محمد :"فَلَمَّا سَلَّمَا"٣، بغير ألف ولام مشددة.
قال أبو الفتح : أما "أَسْلَمَا" ففوضا وأطاعا، وأما "سَلَّمَا" فمن التسليم، أي : سلما أنفسهما وآراءهما كالتسليم باليد٤ لما أُمِرَا به، ولم يخالفا ما أُرِيدَ منهما من إجماع إبراهيم "عليه السلام" الذبح، وإسحاقَ الصبر.

١ سورة الصافات : ١٠٢.
٢ سورة النساء : ١٠٥.
٣ سورة الصافات : ١٠٣.
٤ سقطت في ك.


الصفحة التالية
Icon