قال أبو الفتح : روينا عن قطرب عن ابن مسعود :"وإنَّ إدْرَاسَ"، و"سَلامٌ عَلَى إدراسِينَ" : قال : وجاء عنه :"إِدْرَسِينَ"، وكذلك عن قتادة. وقال : وفي بعض القراءة :"إِدْرِيسِينَ".
قال أبو الفتح : أما ما رواه ابن مجاهد عن ابن مسعود من "إدْرِيسَ" و"إدْرَاسِينَ" فيجب أن يكون من تحريف العرب الكلمَ الأعجمي لأنه ليس من لغتها، فَتُقِلُّ الحَفْل به، وقد ذكرنا مثله١.
وقياسه سلام على إدْرِيسِينَ، كما حكاه قطرب، إلا أنه حكاه :"وإن إدْرِيسِينَ"، كما ترى.
وأما ما رواه قطرب من "إدْرَاسَ" و"إدْرَاسِينَ" فجمع الصحة، كالياس والياسين. ولو كان جمع تكسير لقال : سلام على الأَدَارِيس، كقولك في قرطاس : قَرَاطِيس، لكنه جمع صحة للتذكير، كالزيدين والقاسمين.
فأما "إِدْرِسِين" فيشبه أن يكون أراد "إِدْرَاسِينَ"، إلا أنه استطال الاسم، وجَفَتْ عليه أيضا عجمته؛ فحذف الألف تخفيفا. وإذا كانوا قد حذفوها للتخفيف من نفس كلامهم وسِرّ لغتهم في قولهم في اصْفَارَّ، واحْمَارَّ، واسْوَادَّ، وابْياضَّ : اصْفَرَّ، واحمَرَّ، واسوَدَّ، وابيضَّ، فهم بحذف هذه الألف فيما ليس من لغتهم، ولا ينصرف إليه محاماتهم عنه أجدر بجواز ذلك فيه. نعم، وقد يمكن مع هذا أن تكون هذه الألف في نحو احْمَارَّ واسْوَادَّ إنما حذفت لالتقاء الساكنين، كما زيد في مدها في أكثر اللغة لالتقائهما، وكما همزت في نحو قولهم :
إذَا مَا العَوَالِي بالْعَبِيطِ احْمَأَرَّتِ٢
فتارة يُسْتَرْوَح من اجتماعها إلى إطالةِ المدّ، وأُخرى إلى الحذف، وأُخرى إلى الهمز، وكل هذا تَفَادٍ من التقاء الساكنين.
وحكى أبو حاتم عن أُبَيّ :" وإن إِيلِيسَ"، و"على إِيلِيسِينَ".

١ انظر الصفحة ٧٩ من الجزء الأول.
٢ انظر الصفحة ٤٧ من الجزء الأول.


الصفحة التالية
Icon