ذلك تأويلا آخر، وهو أن يكون أراد : راكب الناقة أحد طليحين، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.
والذي عندي في قوله :
ألا فَالْبَثَا شَهْرَيْنِ أو نِصْفَ ثَالِثٍ [١٣٩و]
أن يكون على حذف المضاف، أي : ألا فالبثا شهرين أو شهرَيْ نصف ثالث، أي : والشهرين اللذين يتبعهما نصف ثالثهما؛ لأنه ليس كل شهرين يؤمر بلبثهما لابد أن يصحبهما نصف ثالثهما، لكن البثا أنتما شهرين، أو الشهرين اللذين يتبعهما في اللبث نصف ثالثهما. وصحت١ الإضافة فيهما هذا القدر من الوُصلة بينهما. وقد أضافت العرب الأول إلى الثاني لأقلَّ وأخفضَ من هذه الشبْكة بينهما. أنشدَنا أبو علي :
إذَا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لَاحَ بِسُحْرَةٍ سُهَيْلٌ أذاعَتْ غَزْلَهَا فِي الغرائب٢
قال : فأضاف سهيلا إليها لجِدها في عملها عند طلوعه، وقريب من هذا قول الرجلين بحملان الخشبة - أحدهما لصاحبه - : خذ أنت طرفك، ولآخذ أنا طرفي. وإنما الطرف للخشبة، لا لحاملها، فاعرف كلام القوم تر العجب منه والحكمة البالغة فيه بإذن الله تعالى.
ومن ذلك قراءة الحسن :"إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ٣"، بضم اللام.
قال أبو الفتح : كان شيخنا أبو علي يحمله على أنه حذف لام "صال" تخفيفا، وأعرب اللام بالضم، كما حذفت لام البالة من قولهم : ما باليت به بالة، وهي البالية، كالعافية والعاقبة.
وذهب قطرب فيه إلى أنه أراد جمع "صال"، أي : صالون، فحذف النون للإضافة وبقي الواو في صالو، فحذفها من اللفظ لالتقاء الساكنين، وحمل على معنى "من" لأنه جمع، فهو كقوله :﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ٤﴾، وهذا حسن عندي، وقول أبي علي وجه مأخوذ به.
٢ ورد البيت في اللسان "غرب" غير منسوب.
٣ سورة الصافات : ١٦٣.
٤ سورة يونس : ٤٢.