فتذكر ثقلا رثيدا بعدما ألقت ذكاء يمينا في كافر١
يعني بكافر الليل، وهذا أبلغ معنى من قول لبيد. ألا تراه ذكر اليمين خصوصية، وهي أشبه بالقوة؛ لأنها أقوى من الشمال؟ ولبيد اقتصر على ذكر اليد، فقد تكون شمالا كما قد تكون يمينا. ومثله قول الشماخ :
تلقاها عرابة باليمين٢
أي : بالقوة. وإنما سميت القوة يمينا تشبيها لها بالجارحة اليمنى، وإذا شبه العرض والجوهر فذلك تناه به، وإعلاء منه. ولهذا ما ذم الطائي الكبير قلب ذلك، فقال :
مودة ذهب أثمارها شبه وهمة جوهر معروفها عرض٣
ووصف بالجواهر لقوته، كما وصف الآخر بالحديد لقوته، فقال في أحد التأويلين :
بمنجرد قيد الأوابد هيكل٤
وعليه أيضا قال :"هيكل"، فوصف بالاسم غير المماس للفعل، لما في الهيكل من العلو والرحابة والشدة، فاعرف ذلك مذهبا للقوم، وانتحه تصب بإذن الله.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر :"إِنْ يُوحَى [١٤٠ظ] إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا٥"، بكسر الألف.
٢ صدره :
إذا ما رأيه رفعت لمجد
وعرابة : هو عرابة بن أوس القيظي. وانظر الخصائص : ٣ : ٢٤٩، والخزانة ١ : ٤٥٠، والاشتقاق : ٤٤٥.
٣ الطائي الكبير هو أبو تمام. والشبه : النحاس الأصفر، وللشاعر قصيدة على روي البيت ووزنه، ولكن لم نعثر عليه فيها.
٤ لامرئ القيس من معلقته، صدره :
وقد اغتدى والطير في وكناتها
اغتدى : أبكر. والوكنات : جمع الوكنة، وهي عش الطائر. ومنجرد : ماض في سيره، وقيل : هو القليل الشعر. والأوابد : الوحوش. والهيكل : الفرس الطويل، وقيل : العظيم الجرم وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني : ٢٨.
٥ سورة ص : ٧٠.