إلى سأر ودرك تقديرا، وإن لم خرجا إلى اللفظ استعمالا، كما قالوا : أبقل المكان فهو باقل، وأورس الومث١ فهو وارس، وأيفع الغلام فهو يافع، وأعضى٢ الليل فهو غاض. قال :
يخرجن من أجزاو ليل غاض٣
أي : مغض، وقالوا أيضا : ألقحت الريح السحاب، فهو لاقح. فهذا على حذف همزة أفعل، وإنما قياسه ملقح، فعلى ذلك خرج "الرشاد"، أي : رشد بمعنى أرشد تقديرا لا استعمالا، كما قال الآخر :
إذا ما استحمت أرضه من سمائه جرى وهو مودوع وواعد مصدق٤
وكان قياسه أن يكون مودع لأنه من أودعته، فودع يدع، وهو وادع، ولا يقال : ودعته في هذا المعنى فيقال مودع، كوضعته فهو موضوع.
فإن قيل : فإن المعنى إنما هو على أشد، فكيف أجزت أن يكون إنما مجيئه من رشد أو رشد في معنى رشد، وأنه ليس من لفظ أرشد؟.
قيل : المعنى راجع فيما بعد إلى أنه مرشد؛ وذلك لأنه إذا رشد أرشد؛ لأن الإرشاد من الرشد. فكأنه من باب الاكتفاء
بذكر السبب من المسبب. وعليه قالوا في قول الله "سبحانه" :﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح٥﴾ - : إنها من لقحت هي، فإذا لقحت ألقحت غيرها، فهو كقولك : إنها زاكية، فإذا زكت في نفسها أزكت غيرها، فهذا المذهب ليس هو الأول الذي على تقدير الزيادة من ألقح، ولكل طريق.
٢ أغضى الليل : أظلم.
٣ لرؤية، وضمير "يخرجن" للعيس في بيت سابق. والأجواز : جمع جوز، وهو وسط الشيء. وانظر الديوان ٨١، وشرح أدب الكاتب للجواليقي : ٤٠٩.
٤ البيت لخفاف بن ندبة يصف فرسه. وأرضه : أسفله. وسماؤه : أعلاه. واستحمت أرضه من سمائه : عرق فابتل أسفله من أعلاه. والمصدق، بفتح الميم والدال : الصدق في كل كل شيء يقول : إذا جرى فأبتلت حوافره من عرق أعاليه مضى فخلى بينه وبين الغاية، لا يضرب ولا يزجر، وإنه ليصدق راكبه فيما بعد من بلوغ الغاية. وانظر الأصمعيات : ١٢، والخصائص : ٢ : ٢١٦، واللسان "ودع".
٥ سورة الحجر : ٢٢.