ومن ذلك قراءة مسلم بن جندب :"وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم١"، نصب.
قال أبو الفتح : هو معطوف على كلمة "الفصل"، أي : ولولا كلمة الفصل، وإن الظالمين لهم عذاب أليم، ولولا أن الظالمين قد علم منهم أنهم سيختارون ما يوجب عليهم العذاب لهم٢ لقضى بينهم.
ونعوذ بالله مما يجنيه الضعف في هذه اللغة العربية على من لا يعرفها، فإن أكثر من ضل عن القصد حتى كب على منخريه في قعر الجحيم إنما هو لجهله بالكلام الذي خوطب به، ثم لا يكفيه عظيم ما هو عليه وفيه دون أن يجفوها، ويعرض عما يوضحه له أهلوها. نعم، ويقول : ما الحاجة إليها؟ وأين وجه٣ الضرورة الحاملة عليها؟ نعوذ بالله من التتابع في الجهالة، والعدول عما عليه أهل الوفور والمثالة.
وجاز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجواب "لولا" الذي هو قوله :﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُم﴾، لأن ذلك شائع، وكثير عنهم. قال لبيد :
فصلقنا في مراد صلقة وصداء ألحقتهم بالثلل٤
أي : فصلقنا في مراد وصداء صلقة.
وفيه أيضا فصل بين الموصوف الذي هو صلقة، والصفة التي هي قوله : ألحقتهم بالثلل - بالمعطوف الذي هو قوله : وصداء، والموصوف مع ذلك نكرة. وما أقوى حاجتها إلى الصفة! ومثله ما أنشدناه أبو علي من قول الآخر :
أمرت من الكتاب خيطا وأرسلت رسولا إلى أخرى جريا يعينها٥
٢ ساقطة في ك.
٣ في ك : وما.
٤ فصلقنا : فصحنا. والثلل : الهلاك، كما في الديوان، قال : ومن قرأ بالثلل "بكسر الثاء" أراد الثلال، جمع ثلة من الغنم، فقصرى، أي أغنام يرعونها. قال ابن سيده : والصحيح الأول. وفي القاموس : الثلة "بالفتح" جماعة الغنم، وجمعها كبدر. وفيه والثلة بالكسر : الهلكة، وجمعها كعنب. يشير الشاعر في هذا البيت إلى يوم فيف الريح، وكانت تجمعت فيه بنو الحارث، وبنو جعفر، وقبائل سعد العشيرة ومراد وصداء. وانظر الديوان : ١٩٣.
٥ أمرت خيطا : شدت فتله. الجرى : الوكيل، وقد يكون مخفف جرئ، وانظر الخصائص : ٢ : ٣٩٦.