قال أبو الفتح : أما "ترى"، بالتاء ورفع "المساكن" فضعيف في العريبة، والشعر أولى بجوازه من القرأن؛ وذلك أنه من مواضع العموم في التذكير، فكأنه في المعنى لا يرى شيء إلا مساكنهم. وإذا كان المعنى هذا كان التذكير لإراته هو الكلام.
فأما "ترى" فإنه على معاملة الظاهر، والمساكن مؤنثة، فأنث على ذلك. وإنما الصواب ما ضرب إلا هند، ولسنا نريد بقولنا : أنه على إضمار أحد وإن هند بدل من أحد المقدر هنا، وإنما نريد أن المعنى هذا؛ فلذلك قدمنا أمر التذكير. وعلى التأنيث قال ذو الرمة :
يرى النحز والأجرال ما في غروضها فما بقيت إلا صدور الجراشع١
وهو ضعيف، على ما مضى.
وأما "مسكنهم" فإن شئت قلت : واحد كنى من جماعته، وإن شئت جعلته مصدرا وقدرت حذف المضاف، أي : لا ترى إلا آثار مسكنهم. فلما كان مصدرا لم يلق لفظ. الجمعية به كما قال ذو الرمة :
تقول عجوز مدرجي متروحا على بابها من عند أهلي وما ليا٢
فالمدرج هنا [١٤٧ظ] مصدر، ألا تراه قد نصب الحال؟ ولو كان مكانا لما عمل، كما أن المغار من قوله :
وما هي إلا في إزار وعلقة مغارا بن همام على حي خثعما٣
مصدر أيضا : ألا تراه قد علق به حرف الجر؟ وهذا واضح. وحسن أيضا أن يريد "بمسكنهم" هنا الجماعة، وإن كان قد جاء بلفظ الواحد؛ وذلك أنه موضع تقليل لهم وذكر العفاء عليهم، فلاق بالموضع ذكر الواحد؛ لقلته عن الجماعة، كما أن قوله "سبحانه" :
٢ روى "بيت" مكان "عند" و"غاديا" مكان "ماليا". وانظر الديوان : ٦٥٣، وأمالي الزجاجي : ٨٩.
٣ ينسب إلى حميد بن ثور، وليس في ديوانه، وذكر في المستدرك. وينسب إلى الطماح بن عامر بن الأعلم بن خويلد العقيل، شاعر مجيد. والعقلة بالكسر : ثوب قصير بلا كمين تلبسه الصبية تلعب فيه. يصف امرأة كانت صغيرة تلبس العلقة حين أغار ابن همام على خثعم، وهي قبيلة من اليمن. انظر الكتاب : ١ : ١٢٠، والخصائص : ٢ : ٢٠٨.