ومن ذلك قراءة الحسن :"أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ١".
قال أبو الفتح : نصبه على الحال، أي :"محمد رسول الله والذين معه"، فـ"معه" خبر عن الذين آمنوا٢، كقولك : محمد رسول الله علي معه، ثم نصب "أشداء" و"رحماء" على الحال، أي : هم معه على هذه الحال، كقولك : زيد مع هند جالسا، فتجعله حالا من الضمير في معه٣، لأمرين :
أحدهما قربة منه، وبعده عن زيد.
والآخر ليكون العامل في الحال - أعني الضمير - هو العامل في صاحب الحال٤، أعني الظرف.
ولو جعلته حالا من الذين كان العامل في الحال غير العامل في صاحبها، وإن كان ذلك جائزا، كقوله تعالى :﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا٥﴾، إلا أن الأول أوجه. وإن شئت نصبت أشداء ورحماء على المدح، وأصف وأزكى أشداء ورحماء.
وكسر رحيم على رحماء - فعلاء - وشديد على أشداء - أفعلاء - كراهية التضعيف في أشداء، وقد وجدوا له نظير على أفعلاء، فقالوا : صفي وأصفياء، ووفي وأوفياء، كراهية لصفواء ووفياء، لما يجب من الاعتذار من ترك قلب الواو والياء؛ لتحركهما وانفتاح ما قبلها. فهذا ونحوه مما يدلك ويبصرك أنهم لا يتنكبون شيئا إلى آخر تطربا ولا تبدلا، لا بل إنعاما وتأملا.
ومن ذلك قراءة عيسى الهمداني - بخلاف - :"شَطَاءهُ٦"، ممدود، مهموز.
٢ الظاهر من كلام أبي الفتح أنه يحسب الآية :﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾، بدليل قوله : فـ"معه" خبر عن الذين آمنوا، وأنه يجعل "معه" خبرا لا صلة. وليس في المراجع التي رجعنا إليها ما يشير إلى أن قراءة الحسن على ما يحسب أبو الفتح. قال أبو حيان : وقرأ الحسن :"أَشِدَّاء رُحَمَاء" بنصبهما. قبل : على المدح، وقيل : على الحال : والعامل فيهما العامل في "معه"، ويكون الخبر عن المبتدأ المتقدم "تراهم". وانظر البحر : ٨ : ١٠٢.
٣ أي : في متعلقه، كما لا يخفى.
٤ المراد : ليكون العامل في صاحب الحال - أعني الضمير - هو العامل في الحال ولعل ما ذكرناه هو الأصل القويم للعبارة.
٥ سورة البقرة : ٩١.
٦ سورة الفتح : ٢٩.