سورة ق
قال أبو الفتح : يحتمل هذا أمرين :
أحدهما حذف همزة الاستفهام على القراءة العامة، فحذفها تخفيفا، وقد مضى نحو هذا، وذكرنا ضعفه١.
والآخر أن يكون غير مريد للهمزة، فكأنه قال : إذا متنا وكنا ترابا بعد رجعنا ونشورنا ودل قوله :﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد﴾ على هذا الفعل الذي هو "بعد"، كما أن قولك : إذا زرتني فلك درهم ناب قوله : فلك درهم عن الفعل الذي استحققت "عليه"٢ ردهما، وإن كان قوله : فلك درهم جوابا، وقوله :﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيد﴾ أي بعيد في التقدير والظن، لا في الزمان؛ لأنهم لم يكونوا يعترفون البعث، لا قريبا ولا بعيدا.
ومن ذلك قراءة الجحدري :"لَمَّا جَاءَهُم٣"، بكسر اللام.
وقراءة الجماعة :" لَمَّا جَاءَهُم".
قال أبو الفتح : معنى "لَمَّا جَاءَهُم"، أي : عند مجيئه إياهم، كقولك أعطيته ما سأل لطلبه، أي : عند طلبه ومع طلبه، وفعلت هذا لأول وقت، أي : عند ومعه، وكقولك في التاريخ : لخمس خلوان، أي : عند خمس خلوان، أو مع خمس خلوان. فرجع ذلك المعنى إلى معنى القراءة العامة :﴿لَمَّا جَاءَهُم﴾، أي : وقت مجيئة إياهم قال :
شنئت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقاربها الرياح٤
أي : عند وقتها [١٥٠ظ] وقال تعالى :﴿لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ٥﴾ أي : عند وقتها.
ومن ذلك ما يروى عن النبي - ﷺ - :"وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ٦" و"بَاصقَاتٍ".

١ انظر الصفحة : ٥٠ من الجزء الأول والصفحة : ٢٠٥ من هذا الجزء.
٢ زيادة يقتضيها نظم الأسلوب.
٣ سورة ق : ٥.
٤ العقر : موضع. وقاريها : متتبعها. وانظر اللسان "عقر".
٥ سورة الأعراف : ١٨٧.
٦ سورة ق : ١٠.


الصفحة التالية
Icon