سورة ق
قال أبو الفتح : الأصل السين، وإنما الصاد بدل منها؛ لاستعلاء القاف؛ فأبدلت السين صادا لتقرب من القاف؛ لما في الصاد من الاستعلاء، ونحوه قولهم في سقر : صقر، وفي السقر الصقر؟
وروينا عن الأصمعي قال : اختلف رجلان من العرب في السقر، فقال أحدهما : بالصاد وقال الآخر : بالسين؛ فتراضيا بأول من يقدم عليهما، فإذا راكب فأخبراه ورجعا إليه، فقال : ليس كما قلت، ولا كما قلت : إنما هو الزفر. وهذا أيضا تقريب الحرف من الحرف، وذلك أن السين مهموسة، والقاف مجهورة، فأبدل السين زايا، وهي مجهورة، والزاي أخت السين، كما أن الصاد أختها. وهذا التقريب للحرف من الحرف باب طويل منقاد، وهو في فصل الإدغام، وما أصنعه وألطفه وأظرفه!
ومن ذلك ما روى عن أبي بكر "رضي الله عنه" عند خروج نفسه :"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بالْمَوْتِ١"، وقرأ بها سعيد بن جبير وطلحة.
قال أبو الفتح : لك في هذه الباء ضربان من التقدير :
إن شئت عاقتها بنفس "جاءت"، كقولك : جئت بزيد، أي : أحضرته٢ وأجأته٣ وإن شئت علقتها بمحذوف، وجعلتها حالا، أي : وجاءت سكرة الحق ومعها الموت، كقولنا : خرج بثيابه : أي : وثيابه عليه. ومثله قول الله تعالى :﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ٤﴾، أي : وزيتنته عليه، ومثله قول الهذلي :
يعثرن في حد الظبات كأنها كسيت برود بني يزيد الأذرع٥
أي : يعثرن وهن في حد الظبات، وكقوله - أنشده الأصمعي :
ومتنة كاستنان الخرو ف قد قطع الحبل بالمرود٥

١ سورة ق : ١٩.
٢ في ك : أحصرته، بالصاد. وهو تحريف.
٣ أجأته : جئت به.
٤ سورة القصص : ٧٩.
٥ انظر الصفحة ٨٨ من هذ الجزء.


الصفحة التالية
Icon