سورة ق
أي قطعه : وفيه مردوده، وكذلك القراءة العامة :﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ : إن شئت علقت الياء بنفس "جاءت" على ما مضى.
وإن شئت علقتها بمحذوف وجعلتها حالان فكأنه قال : وجاءت سكرة الموت ومعها الحق.
فإن قلت : فكيف يجوز أن تقول : جاءت سكرة الحق بالموت، وأنت تريد به : وجاءت سكرة الموت بالحق، فياليت شعري أيتهما الجاثية بصاحبتها؟
قيل : لاشتراكهما في الحال، وقرب إحداهما من صاحبته صار كأن كل واحدة منهما جاثية بالأخرى؛ لأنهما ازدحمنا في الحال، واشتبكتا حتى صارت كل واحدة منهما جاثية بصاحبتها؛ كما يقول، الرجلان المتوافيان في الوقت الواحد إلى المكان - كل واحد منهما لصاحبه - : لا أرى أأنا سبقتك، أم أنت سبقتني؟.
ومن ذلك قراءة الحسن :"أَلْقِيَا فِي جَهَنَّم١"، بالنون الخفيفة.
قال أبو الفتح : هذا يؤكد قول أصحابنا في "ألقيا" : إنه أراد "ألقيا"، وأجرى الوصل فيه مجرى الوقف، كقوله : يا حرسي٢ اضربا عنقه.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود والحسن والأعمش :"يَوْمَ يقال لِجَهَنَّمَ٣".
قال أبو الفتح : هذا يدل على أن [١٥١و] قولنا : ضرب زيد ونحوه لم يترك ذكر الفاعل للجهل به، بل لأن الغناية انصرفت إلى ذكر وقوع الفعل بزيد، عرف الفاعل بهن أو جهل؛ لقراءة الجماعة :﴿يَوْمَ نَقُولُ﴾، وهذا يؤكد عندك قوة العناية بالمفعول به.
وفيه شاهد وتفسير لقول سيبويه في الفاعل والمفعول : وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم ومن شدة قوة العناية بالمفعول أن جاءوا بأفعال مسندة إلى المفعولن ولم يذكروا الفاعل معها أصلا، وهي نحو قولهم : امتقع لون الرجل، وانقطع به، وجن زيد، ولم يقولوا : امتقعه ولا انقطعه، ولا جنه. ولهذا نظائر، فهذا٤ كإسنادهم الفعل إلى الفاعل البتة فيما لا يتعدى، نحو قام زيد، وقعد جعفر.
٢ الحرسي : واحد حرس الملك، وهم أعوانه.
٣ سورة ق : ٣٠.
٤ في ك : فكذاك إسنادهم.