قال أبو الفتح : هذا على تسمية المسبب باسم سببه. ألا ترى أن معناه الذي وعد ذلك، فوفي بحاضره وسيفي بغائبه يوم القيامة؟ وذلك منهم لصدق الوعد، أي : إذا قال فقد فعل، أو قد وقع ما يقوله. وهذا كقولهم : وعد الكريم نقد، ونقد اللئيم وعد. وأخذه بعض المولدين فقال في صفة باز أو شاهين :
مبارك إذا رأى فقد رزق
وما أسمعه! وأصله لامرئ القيس في وصف الفرس :
إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطب١
ومن ذلك قراءة طلحة :"ليس لها مما يدعون من دون الله كاشفة وهي على الظالمين ساءت الغاشية٢".
قال أبو الفتح : هذه القراءة تدل على أن المراد بقراءة الجماعة :﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ - حذف مضاف بعد مضاف. ألا ترى أن تقدير : ليس لها من جزاء عبادة معبود دون الله كاشفة؟ فالعبادة على هذا مصدر مضاف إلى المفعول، كقوله :﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ٣﴾، و﴿لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ٤﴾، ثم حذف المضاف الأول، فصار تقديره : ليس لها من عبادة معبود دون الله كاشفة، ثم حذف المضاف الثاني الذي هو "عبادة"، فصار تقديره : ليس لها من معبود دون الله كاشفة، ثم حذف المضاف الثالث، فصار إلى قوله : ليس لها من دون الله كاشفة.
وهذا على تقديرك "دون الله" اسما هنا، لا ظرفا، لأن الإضافة إليه تسلبه معنى الظرفية التي فيه، كقولهم :
يا سارق الليلة أهل الدار٥
خليلي مرا بي على أم جندب
ولم نعثر على هذا الشاهد. وانظر الديوان : ٤١. وهذا والولدان : جمع الوليد، وهو العبد.
٢ سورة النجم : ٥٨.
٣ سورة ص : ٢٤.
٤ سورة فصلت : ٤٩.
٥ الكتاب : ١ : ٩٨، ٥٩.