وإن شئت رفعت "أبواه" لأنهما اسم "كان" وجعلت ما بعدهما الخبر على ما مضى من كون "هما" فصلا إن شئت، ومبتدأ إن شئت، ويجوز فيه هما اللذين.
ومن ذلك قراءة الماجشون١ :"الصَّدُفَيْنِ٢"، بفتح الصاد، وضم الدال.
قال أبو الفتح : فيها لغات : صَدَفَانِ، وصُدُفَانِ، وصُدْفَانِ، وصَدُفَانِ. وقد قرئ بجميعها، إلا أنهما الجبلان المتقابلان، فكأن أحدهما صادف صاحبه، ولذلك لا يقال ذلك لما انفرد بنفسه عن أن يلاقي مثله من الجبال.
ومن ذلك قراءة علي وابن عباس "عليهما السلام" وابن يعمَر والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن كثير بخلاف، ونعيم بن ميسرة والضحاك ويعقوب وابن أبي ليلى :"أَفَحَسْبُ الَّذِينَ٣".
قال أبو الفتح : أي أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كفروا وحظُّهم ومطلوبُهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء؟ بل يجب أن يعتدُّوا أنفسهم مثلهم، فيكونوا كلهم عبيدا وأولياء لي. ونحوه قول٤ الله "تعالى" :"وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ٥"، أي : اتخذتَهم عبيدًا لك، وهذا أيضا هو المعنى إذا كانت القراءة :"أَفَحَسِب الَّذِينَ كَفَرُوا"، إلا أن "حَسْبُ" ساكنة السين أذهب في الذم لهم؛ وذلك لأنه جعله غاية مرادهم ومجموع مطلبهم، وليست القراءة الأخرى كذا.

١ هو أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، واسمه ميمون، وقيل : دينار، القرشي التيمي المنكدري مولاهم، المدني الأعمى الفقيه المالكي. تفقه على الإمام مالك رضي الله عنه. قال أحمد بن حنبل "رضي الله عنه" : قدم علينا وحدث، وكان من الفصحاء. مات سنة ٢١٣، وقيل غير ذلك. وفيات الأعيان : ٢ : ٣٤٠
٢ سورة الكهف : ٩٦.
٣ سورة الكهف : ١٠٢.
٤ في ك : قوله تعالى.
٥ سورة الشعراء : ٢٢.


الصفحة التالية
Icon