تعالى جد ربنا. فالتعالى مستعمل معهما جميعا، كما يقال : يسرني زيد قيامه، وأنت تقول : يسرني زيد، ويسرني قيامه. وهذا بيان ما أنكره ابن مجاهد.
ومن ذلك قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبي بكرة، بخلاف :"أَنْ لَنْ تَقُول١".
قال أبو الفتح :"كذبا" - في هذه القراءة - منصوب على المصدر من غير حذف الموصوف معه، وذلك أن "تقول" في معنى تكذب، فجرى تبسمت وميض البرق، أي : أنه٢ منصوب بعفل مضمر، ودلت عليه تبسمت، [١٦١و] أي : أومضت. فعلى هذا كأنه قال : أن لن يكذب الإنس والجن على الله كذبا.
ومن رأى أن ينصب "وميض البرق" بنفس تبسمت؛ لأنه بمعنى أومضت نصب أيضا "كذبا" بنفس "تقول"؛ لأنه بمعنى كذب.
وأما من قرأ "أَنْ لَنْ تَقُول٣"، بوزن تقوم فإنه وصف مصدر محذوف، أي : أن لن تقول الإنس والجن على الله قولا كذبا، فكذب هنا وصف لا مصدر، كقوله "تعالى" :﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ٤﴾، أي : كاذب. فإن جعلته هنا مصدرا نصبته نصب المفعول٥ به، أي : لن تقول كذبا، كقولك : قلت حقا، وقلت باطلا، وقلت شعرا، وقلت سجعا. ولا يحسن أن تجعله مع "تقول" وصفا، أي : تقولا كذبا؛ لأن التقول لا يكون إلا كذبا، فلا فائدة إذا فيه.
ومن ذلك قراءة الأعمش ويحيى :"وَأَن لَوُ اسْتَقَامُوا٦"، بضم الواو.
قال أبو الفتح : هذا على تشبيه هذه الواو بواو الجماعة، نحو قوله :﴿اشْتَرَوُا الضَّلالَة٧﴾، كما شبهت تلك أيضا بهذه فقرءوا :"اشْتَرَوُا الضَّلالَة"، وقد مضى ذلك٨.

١ سورة الجن : ٥.
٢ في ك : في أنه.
٣ هذه قراءة الجمهور، كما في البحر : ٨ : ٣٤٨.
٤ سورة يوسف : ١٨.
٥ قال أبو حيان :"وانتصب "كذبا" في قراءة الجمهور بـ"تقول"، لأن الكذب نوع من القول، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، أي : قولا كذبا، أي : مكذوبا فيه". وهو الصحيح. وانظر البحر : ٨ : ٣٤٨.
٦ سورة الجن : ١٦.
٧ سورة البقرة : ١٦.
٨ انظر الصفحة ٥٤ من الجزء الأول.


الصفحة التالية
Icon