قال أبو الفتح : معنى قول ابن مجاهد : أنه قرأ على سكون الياء من "يُحْيِيَ"، على لغة من قال :
يا دار هند عفت إلا أثافيها١
فأسكن الياء في موضع النصب، لا أن الياء في قوله :﴿يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ ساكنة، وذلك أنه لا ياء هناك في اللفظ أصلا، لا ساكنة ولا متحركة؛ لأنها قد حذفت لسكونها وسكون اللام من "الموتى".
قال أبو العباس : إسكان هذه الياء في موضع النصب من أحسن الضرورات، حتى إنه لو جاء به جاء في النثر لكان جائزا، وشواهد ذلك في الشعر أكثر من أن يؤتى بها. ومما جاء منه في النثر قولهم : لا أكلمك حيرى دهر، فأسكن الياء من حيرى، وهي في موضع نصب. وفيه عندي شيء [١٦٣و] لم يذكره أبو علي ولا غيره من أصحابنا، وذلك أنه أصله حيرى دهر، ومعناه مدة الدهر، فكأنه مدة تحير الدهر وبقائه، فلما حذفت أخرى الياءين بقيت الياء ساكنة كما كانت قبل الحذف؛ دلالة على أن هذا محذوف من ذلك الذي لو لم يحذف لما كانت ياؤه إلا ساكنة، ومثل ذلك عندي قول الهذلي :
رب هيضل لجب لففت بهيضل٢
أراد : رب، فحذف أحدى الياءين، وبقى الثانية مجزومة٣ كما كانت قبل الحذف،

١ سبق هذا الشاهد في الجزر الأول، الصفحة : ١٢٦. ونضيف هنا إلى ما ذكرنا عنه هناك : أنه للحطيئة، وعجزه :
بين الطوى فصارات فواديها
والطوى : البئر المطوية بالحجارة، أي : المبنية بها. ويريد بها بئرا بمكة. والصارة جبل بين تيماء ووداي القرى، أو جبل قرب فيد. "فصارات" من وضع الجمع مكان المفرد. والصارة أيضا : رأس الجبل. وانظر ديوان الشاعر : ٢٠١، وشرح شواهد الشافية : ٤١٠.
٢ لابن كبير الهذلي، وصدره
ازهير أن يشب القذال فأنني
وزهير : يريد زهيرة. والقذال : ما بين الأذنين والقفا. وضبط "رب" في ديوان الهذليين "٢ : ٨٨" بفتح الباء وهي أحدى لغاتها كما في القاموس. والهيضل : جماعة متسلحة أمرهم في الحرب واحد. ولجب : له جلبة، ويروى "مرس"، أي : ذي مراسة وشدة. وانظر اللسان "هضل".
٣ في ك : محذوفة، وهو تحريف.


الصفحة التالية
Icon