وهذا المثال كما صلح لصورة السبب الذى معنا الآن فإنه يصلح كذلك لصورة السبب الثامن وهو احتمال الإضمار أو الاستقلال.
ومنه أيضاً خلافهم حول قوله تعالى :((وجاهدوا فى الله حق جهاده)) (١) على قولين:
الأول: هى منسوخة لأن فعل ما فيه وفاء لحق الله لا يتصور من أحد إذ لا قدرة لأحد على أداء حق الله كما ينبغى، والناسخ هو قوله تعالى: ((لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)) (٢) أو قوله تعالى: ((فاتقوا الله ما استطعتم)) (٣)
الثانى: هى محكمة لأن حق الجهاد يكون فى المجاهدة وبذل الإمكان مع صحة المقصد. (٤) فعلى هذا تكون الآية محكمة وغير منسوخة.
ومثل ذلك أيضاً قوله تعالى: ((اتقوا الله حق تقاته)) (٥) مع قوله تعالى: ((فاتقوا الله ما استطعتم)) (٦)
وأما السبب الثانى عشر:
وهو اختلاف الرواية فى التفسير عن النبى - ﷺ - وعن السلف - رضى الله عنهم - فمثاله: ما حكى من خلاف حول تفسير قوله تعالى: ((إنما المشركون نجس)) (٧)، فقد قيل "نجس" يعنى أنجاس الأبدان، ولذلك قال الحسن: من صافحهم فليتوضأ.
قال السيوطى فى الدر المنثور: أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال: قال رسول - ﷺ - "من صافح مشركاً فليتوضأ أو ليغسل كفيه"، وأخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال: "استقبل رسول الله - ﷺ - جبريل عليه السلام فناوله يده فأبى أن يتناولها، فقال: يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدى ؟ فقال: إنك أخذت بيد يهودى فكرهت أن تمس يدى يداً قد مستها يد كافر، فدعا رسول الله - ﷺ - بماء فتوضأ فناوله يده فتناولها" (٨)
(٢) سورة البقرة: ٢٨٦.
(٣) سورة التغابن: ١٦
(٤) نواسخ القرآن لابن الجوزى - ص١٩٦.
(٥) سورة آل عمران: ١٠٢.
(٦) سورة التغابن: ١٦.
(٧) سورة التوبة: ٢٨.
(٨) الدر المنثور - ٣/٤٠٩.