ويمثل لذلك بالخلاف السالف الذكر حول تفسير "الصراط المستقيم" حين فسر مرة بأنه القرآن وأخرى بأنه الإسلام، وعرفنا أن ذلك خلاف تنوع ؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، وقد مثل له الشاطبى بخلاف المفسرين حول تفسير " السلوى" من آية ((وأنزلنا عليكم المن والسلوى)) (١)، فقال: بعضهم عنه: هو طير يشبه السمانى، وقيل: طير حمر صفته كذا، وقيل: طير بالهند أكبر من العصفور، فمثل هذا يصح حمله على الموافقة وهو الظاهر فيها. (٢)
فهذه الأقوال كلها راجعة إلى مسمى واحد وهو الطير، ولأجل ذلك فإنه لا يعتبر خلافاً ما دام مرجعه إلى مسمى واحد فإن أسميناه خلافاً فهى تسمية مجازية لأن صورته صورة الخلاف والحقيقة أنه لا خلاف.
الصورة الثالثة:
أن تذكر أقوال متعددة حول تفسير الآية، بعض هذه الأقوال يتجه إلى تفسير اللغة بمعنى أن يذكر معانى الألفاظ حسب وضعها فى اللغة، وهو ما يسمى بالمعنى الأصلى للفظ، وبعضها يتجه إلى التفسير المعنوى يعنى المعنى المستعمل فيه هذا اللفظ.
ومثاله قوله تعالى: ((نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين)) (٣) فإن القواء هى الأرض القفر، ولذلك يفسر "المقوين" بالنازلين بالأرض القواء، نزولاً على أصل معنى اللفظ فى اللغة وفسر كذلك بالمسافرين ؛ لأن هذا اللفظ صار يستعمل بهذا المعنى، ومثل هذا لا يعد خلافاً فالذين ينزلون الأرض القواء هم المسافرون إليها حيث يقال: أقوى الرجل أى نزل بالأرض القواء، وكيف ينزلها إلا إذا سافر إليها؟
(٢) الموافقات - ٤/١٢١.
(٣) سورة الواقعة : ٧٣.