ومنه أيضاً خلاف المفسرين حول المراد بلفظ "قارعة" فى قوله تعالى: ((ولا يزال الذين كفروا تصيبهم قارعة )) (١) حيث قال بعضهم: المراد بالقارعة هنا الداهية أو النكبة تفجؤهم، يقال: قرعه الأمر يعنى أصابه، وأصل القرع الضرب. وقال بعضهم: بل المراد بالقارعة السرايا والطلائع. والمعنى تصيبهم سرية من سرايا رسول الله - ﷺ.
فالأولون فسروا اللفظ حسب أصل وضعه، والآخرون فسروه بمعنى مستعمل فيه، فالعرب استعملوا المقارعة بمعنى الضرب فى الحرب (٢)، ومثل هذا لا يعد خلافاً، ولذلك قال الشوكانى بعد أن حكى القولين: ولا يخفى أن القارعة تطلق على ما هو أعم من ذلك.(٣)
ويدخل فى ذلك لفظ " الغائط " إذ هو فى الأصل المكان المنخفض، وقد كانت العرب تقصده لقضاء الحاجة تستراً عن أعين الناس، ثم سمى الحدث نفسه بهذا الاسم.
فإن قيل: فهل يفهم من ذلك أن اللفظ الذى له حقيقة شرعية صار مستعملاً فيها يجوز أن يفسر فى القرآن بمعناه اللغوى الذى هو أصل وضعه، كما يجوز أن يفسر بمعناه الشرعى، ولا يعد ذلك خلافاً؟
والجواب بالنفى المؤكد، فكلامنا فى الصورة المترجم بها هو عن اللفظ الذى له أصل فى اللغة وضع له – وكل ألفاظ اللغة كذلك – إلا أنه غلب بعد ذلك استعماله فى معنى آخر من جهة اللغة كذلك، فتفسيره بالمعنى الأصلى لا يتعارض ولا يختلف مع تفسيره بالمعنى الذى استعمل فيه لغة كذلك، لأنه لابد من علاقة بين المعنى الأصلى والمعنى المستعمل فيه كما هو الحال فى المجاز والاستعارة.
(٢) أنظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووى - ٣/٨٨ - القسم الثانى.
(٣) أنظر: فتح القدير - ٣/١٠٤.