ويبدو توافق المعنى اللغوي للمعنى الإصطلاحي للمناسبة. فكلاهما يعني : أن الآية وجارتها شقيقتان، يربط بينهما رباط من نوع ما، كما يربط النسب بين المتناسبين، غير أن ذلك لا يعني أن تكون الآيتان أو الآيات متماثلة كل التماثل، بل ربما يكون بينها تضاد، أو تباعد في المعنى، المهم أن هناك صلة، أو رابط ما يربط بين الآيتين، أو يقارب بينهما، سواء توصل إليها العلماء أم لا، فقد تظهر أحيانا، وتختفي أحيانا أخرى، وفي هذا مجال لتسابق الأفهام.
المبحث الثاني : فوائد معرفتها :
إذا كان لمعرفة سبب النزول أثر في فهم المعنى، وتفسيرالآية، فمعرفة المناسبة بين الآيات تساعد كذلك على حسن التأويل، ودقة الفهم، وإدراك اتساق المعاني بين الآيات، وترابط أفكارها، وتلاؤم ألفاظها، فالقرآن الكريم فيه كثير من فنون العقائد، والأحكام، والأخلاق، والوعظ، والقصص، وغيرها من مقاصد القرآن التي جعلها الله سبحانه هداية للبشر، والتي تدور جميعها على الدعوة إلى الله، والقرآن يبث هذا المعنى من خلال المقاصد، والأغراض الموزعة على كافة الآيات والسور، فلو جمع كل نوع على حدة، لفقد القرآن بذلك أعظم مزايا هدايته المقصودة.
قال محمد رشيد رضا :( وقد خطر لى وجه، وهو الذي يطرد في أسلوب القرآن الخاص، في مزج مقاصد القرآن بعضها ببعض، من عقائد، وحكم، ومواعظ، وأحكام تعبدية ومدنية، وغيرها، وهو نفي السآمة عن القارئ والسامع من طول النوع الواحد منها، وتجديد نشاطها ومنهجها.) ٣٤
فمن عادة القرآن أن يجمع بين الفنون المختلفة في سورة واحدة، في تنسيق بديع، يصل بها إلى الذروة في الإعجاز البلاغي، والإحكام البياني، وروعة الأسلوب، ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) ٣٥