وقال الإمام الزركشي :( واعلم أن المناسبة علم شريف، تحرز بهاالعقول، ويعرف به قدر القائل فيما يقول... ثم يقول : وفائدته : جعل أجزاء الكلام بعضهاآخذ بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم، المتلائم الأجزاء.) ٣٦
وقال الشيخ أبو بكر النيسابوري :( إن إعجاز القرآن البلاغي لم يرجع إلا إلى هذه المناسبات الخفية، والقوية بين آياته وسوره، حتى كأن القرآن كله كالكلمة الواحدة، ترتيبا وتماسكا ) ٣٧
ويقول الزمخشري في كشافه :( وهذا الإحتجاج، وأساليبه العجيبة التي ورد عليها، مناد على نفسه بلسان ذلق، أنه ليس من كلام البشر، لمن عرف، وأنصف من نفسه.
وقال في موضع آخر : فانظر إلى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه، ومكانة أضماده، ورصافة تفسيره، وأخذ بعضه بحجز بعض، كأنما أفرغ إفراغا واحدا، ولأمر ما أعجز القوى، وأخرس الشقاشق.) ٣٨
وقال فخر الدين الرازي في ختام تفسيره لسورة البقرة :( ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة، وفي بدائع ترتيبها، علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب ألفاظه وشرف معانيه، فهو ايضا بسبب ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قالوا : إنه معجز بسبب اسلوبه أرادوا ذلك. ) ٣٩
المبحث الثالث : أنواع المناسبات :
أولا :- المناسبة بين أجزاء الآية الواحدة :
إذا تدبرنا سورة من سور القرآن الكريم، أخذتنا روعة ألفاظها في سهولتها نطقا، وقرب مأخذها معنى، ومجيئها على قدر المعنى الذي صيغت له. والمتأمل لألفاظ القرآن الكريم، يجدها وضعت في موضعها من النظم الكريم، فهي مفردات مختارة منتقاة، واللفظ في موضعه متناسب من حيث اللفظ أو المعنى، وجاء على قدر المعنى الذي صيغ له، بحيث لو رفعت اللفظ من الآية، أو استبدلته بآخر، لاختل نظامها، وضاع المراد منها.


الصفحة التالية
Icon