يقول ابن عطية :( وكتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب على لفظة غيرها لم يوجد، ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضع، لقصورنا عن مرتبة العرب –يومئذ – في سلامة الذوق، وجودة القريحة ) ٤٠
والتناسب بين أجزاء الآية، يكون من حيث اللفظ أو المعنى :
أما من حيث اللفظ : ونعني به مناسبة اللفظ لألفاظ الآية : وذلك مثل قوله تعالى :( قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين. ) ٤١
فقد جاءت الألفاظ بحيث يلائم بعضها بعضا، وذلك بأنه أتى في الآية بألفاظ متناسبة في الغرابة.
فالتاء : أغرب ألفاظ القسم، وذلك لأنها أقل استعمالا من الواو، والباء.
وأتى بـ( تفتؤا)، وفتئ : أغرب صيغ الأفعال التي تفيد الاستمرار من أخوات(كان).
وأتى بلفظ ( حرضا ) : وهو أغرب ألفاظ الهلاك. فاقتضى حسن الوضع في النظم، أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها توخيا في حسن الجوار، ورعاية في ائتلاف المعنى بالألفاظ، ولتتعادل الألفاظ في الوضع، وتتناسب في النظم. وجاءت هذه الألفاظ غريبة لتتوافق مع حال يعقوب – عليه السلام - التي وصل إليها، وإشفاق أبنائه على حاله، وخشيتهم عليه من الهلاك.
وأما تناسب اللفظ من حيث المعنى :
ففي مثل قوله تعالى :- ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار..) ٤٢. فإنه تعالى لما نهى عن الركون إلى الظالمين وهو الميل إليهم، والإعتماد عليهم، وكان ذلك دون مشاركتهم في الظلم، أخبر أن العقاب علىذلك، دون العقاب على الظلم.
ومن ذلك قوله تعالى:-(ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) ٤٣


الصفحة التالية
Icon