وأشار الإمام الشاطبي إلى تعدد القضايا في السورة الواحدة، وأكد أن هذا التعدد لا يمنع من وجود الترابط والتناسب بين الآيات، فقال :( غيرأن الكلام المنظور فيه، تارة يكون واحدا بكل اعتبار، بمعنى : أنه أنزل في قضية واحدة، طالت أو قصرت، وعليه أكثر سور المفصل. وتارة يكون متعددا في الاعتبار، بمعنى : أنه أنزل في قضايا متعددة، كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، واقرأ باسم ربك وأشباهها، ولا علينا أنزلت السورة بكمالها دفعة واحدة، أم نزلت شيئا بعد شيء. ويقول : فسورة البقرة مثلا كلام واحد باعتبار النظم، واحتوت على أنواع من الكلام بحسب ما بث فيها، منها ما هو كالمقدمات والتمهيدات بين يدي الأمر المطلوب، ومنها ما هو كالمؤكد والمتمم، ومنها ما هو المقصود في الانزال... ثم يقول : وسورة المؤمنين نازلة في قضية واحدة، وإن اشتملت على معان كثيرة، فإنها من المكيات، وغالب المكي أنه مقرر لثلاثة معان، أصلها معنى واحد، وهو : الدعاء إلى عبادة الله تعالى... إلى أن يقول : فالقرآن كله كلام واحد بهذا الإعتبار.) ١١٧
وإضافة لما سبق يمكنني القول : بأن التعدد والتنوع في القضايا والأغراض، هو نفسه الدافع إلى تلمس وجه المناسبة بين الآية وجارتها، أما إذا كان المعنى واحدا في آيات السورة، فلماذا نلتمس المناسبة.. ؟ وهل تعقد مناسبة بين الشيء ونفسه.. ؟
ثم إن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، وتحداهم أن يأتوا بمثله، وتدرج معهم في التحدي، إلى أن اقتصر التحدي على سورة واحدة :( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله..) ١١٨، لم يقولوا إنه مختلف القضايا والأغراض، لا رابطة تربطها، ولا سياق يجمعها. ولو كان في وسعهم – و هم أرباب الفصاحة، وفرسان البيان –، أن يجدوا ثغرة للنفاذ منها لقول مثل ذلك لما ترددوا.