كما أن من الواضح، أن كل من ألف كتابا مشتملا على مطالب متفرقة، وقضايا مختلفة، يلاحظ في ترتيبها مناسبة وارتباطا، فكيف بالحكيم المتعال.. ؟
ت - المفسرون وعلم المناسبات :
اعتنى كثير من المفسرين بعلم مناسبات القرآن الكريم في تفاسيرهم، على اختلاف مشاربهم، وكما دندنوا حول المناسبة بين الآيات، بحثواعن الصلة، والمناسبة، بين سور القرآن عامة، وكانوا بين مقل ومكثر. وكان أبو بكر النيسابوري : أول من سبق إلى هذا العلم، وكان يلقي باللائمة على علماء بغداد لإهمالهم علم المناسبات، والكلام في هذا الشأن.
وتعرض أحمد بن عمار المهدوي للوحدة المعنوية بين آيات القرآن الكريم، وساق بعض الشواهد على التناسب بين آيات القرآن، منها :
قوله عند تفسيره لقوله تعالى :( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) ١١٩ وما بعدها، وهو قوله :( ولله ما في السماوات والأرض ) ١٢٠ووجه التناسب :( إنما اتخذ إبراهيم خليلا لحسن طاعته، لا لحاجته إليه، لأن له ما في السموات والأرض ) ١٢١.
وعرض الزمخشري في تفسيره الكشاف، لإعجاز وأسرار الجمال القرآني، وفيه يقول ( وهذه الأسرار والنكت، لا يبرزها إلا علم النظم، وإلا بقيت محتجبة في أكمامها ) ١٢٢وكان للمناسبة في كتابه حظ أوفى ممن سبقه من المفسرين.
وصنف ابن عطية كتابه في التفسير :( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز )، وتعرض فيه للوحدة المعنوية بين آيات القرآن الكريم، التي يرى أكثر البلاغيين والمفسرين أنها مظهر من مظاهر الإعجاز البياني في كتاب الله. فهو يقول في الإنتظام الوارد بين قوله تعالى :( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ١٢٣، وبين الآية التي قبلها١٢٤: ( هذه الآية منتظمة في معنى التي قبلها، أي : لا يمنعكم تخريب مسجد من أداء العبادات، فإن المسجد المخصوص للصلاة إن خرب، فثم وجه الله موجود حيث توليتم ) ١٢٥.


الصفحة التالية
Icon