وكان فخر الدين الرازي أكثر المفسرين اعتناء بعلم المناسبات، قال الزركشي :( وقد قل إعتناء المفسرين بهذا العلم، وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي، وقال في تفسيره : أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.) ١٢٦، والشواهد في تفسيره :( التفسير الكبير) كثيرة.
واهتم ابن جزي الكلبي اهتماما بالغا بعلم المناسبة بين الآيات والسور في تفسيره :( التسهيل لعلوم التنزيل )، اقتداء بشيخه : ابن الزبير الغرناطي. وعند تعرضه لتفسير آية مصارف الزكاة :( إنما الصدقات للفقراء والمساكين..) ١٢٧، يطرح سؤالا عن سبب ذكر مصارف الزكاة في تضاعيف ذكر المنافقين، ويجيب عنه بقوله :( إنه حصر مصارف الزكاة في تلك الأصناف، ليقطع طمع المنافقين فيها، فاتصلت هذه الآية في المعنى بالآية التي سبقتها، وهي قوله تعالى :( ومنهم من يلمزك في الصدقات. ) ١٢٨
ويعد أبو حيان الأندلسي، من المفسرين القلائل الذين أولوا عناية للتناسب بين آيات وسور القرآن الكريم، وتفسيره ( البحر المحيط ) حافل بالشواهد على ذلك. فهو قد درج على ذكر مناسبة أول كل سورة، إلى آخر ما قبلها.
ومن أمثلة ذلك : ما ذكره عند تفسير قوله تعالى من أول سورة الأنبياء :( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون. )١٢٩ فقد ذكر التناسب بين أول هذه السورة، وآخر سورة طه، وقال :[ مناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما ذكر قوله :( قل كل متربص فتربصوا..) ١٣٠، قال مشركوا مكة : محمد يهددنا بالمعاد، والجزاء على الأعمال، وليس بصحيح، وإن صح ففيه بعد، فأنزل الله تعالى :( اقترب للناس حسابهم )] ١٣١