وذكر مناسبة أول سورة عبس، وهو قوله تعالى :( عبس وتولى. أن جاءه الأعمى. ) ١٣٢ للسورة التي قبلها – وهي سورة النازعات – فقال : مناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر قوله :( إنما أنت منذر من يخشاها. ) ١٣٣، ذكر في هذه من ينفعه الإنذار، ومن لم ينفعه الإنذار، وهم الذين كان رسول الله - ﷺ - يناجيهم في أمر الإسلام، كعتبة بن ربيعة، وأبي جهل، وأمية بن خلف، وأبي ١٣٤
وقد أورد أبو حيان شواهد كثيرة على التناسب المعنوي بين آيات القرآن الكريم، من ذلك قوله : وهو يفسر آية التحدي في سورة البقرة عند قوله تعالى :( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا.. الآية ) ١٣٥ قال :( مناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه لم يحتج عليهم بما يثبت الوحدانية، ويبطل الشرك، وعرفهم أن من جعل لله شريكا فهو بمعزل من العلم والتمييز، ويحتج على من شك في النبوة بما يزيل شبهته، وهو كون القرآن معجزة، ويبين لهم كيف يعلمون أنه من عند الله، أم من عنده، أن يأتوا هم، ومن يستعينون به بسورة ) ١٣٦
وعند تفسيره لقوله تعالى :( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.. الآية ) ١٣٧يبرز التناسب بين هذه الآية وما قبلها فيقول :( مناسبة هذه الآية لما قبلها هي : أنه تعالى لما ذكر ثواب من أقدم على الجهاد، أتبعه بعقاب من قعد عن الجهاد، وسكن في بلاد الكفار ) ١٣٨. ويظهر الثواب الذي ذكره في قوله تعالى قبل هذه الآية :( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما. درجات منه ومغفرة ورحمة..) ١٣٩. ولا يتوقف في هذه السورة عند ذكر تناسب آياتها، بل يورد التناسب بين أول السورة وآخرها، فيقول :( ختمت هذه السورة (يعني سورة النساء ) بهذه الآية، ( يعني آية الكلالة )، كما بدئت أولا بأحكام الأموال في الإرث وغيره، ليشاكل المبدأ المقطع، وكثيرا ما وقع ذلك في السور. ) ١٤٠


الصفحة التالية
Icon