نزل القرآن منجما في ثلاثة وعشرين عاما تقريبا، وكان نزوله ملائما للوقائع والأحوال التي مرت فيها الدعوة الاسلامية، ومراعيا ما يتطلبه الزمن الذي نزل فيه. لذا يختلف ترتيب القرآن الكريم في النزول، عن ترتيبه في المصحف اختلافا كبيرا، ومنشأ هذا الاختلاف هو اختلاف الهدف المقصود من كلا الترتيبين.( فهو في تريبه النزولي منهج لتأسيس دعوة، وأسلوب إقناع بعقيدة، وطريقة تبشير وإنذار، ودحض كامل لمنطق الإلحاد المريض، وهو في ترتيبه المصحفي أسلوب حياة، وبناء حضارة، ودستور للعالم كله، محيط بكل صغيرة وكبيرة من حاجاته ومطالبه، أحكم ترتيبه من هذه الوجهة، ليكون هداية للمؤمنين.)١. ثم إن التسلسل الزماني وإن ضم موضوعات متقاربة أحيانا، فإنه كثيرا ما يحمل ما اختلف من الموضوعات التي يصعب أن يربطها ناظم، لذا راعى القرآن في تسلسل نصوصه أن يقارب بين أفرادها، فحصل فيه التناسب من أصغر وحداته إلى أكبرها. ولو أنه جمع ورتب على حسب ترتيب نزوله، ( لفهم بعض الناس أن آياته خاصة بحوادثها، أو أنه حلول وقتية للمشكلات التي كانت على عهد الرسول – ﷺ - فحسب، والله تعالى يريد كتابه عاما خالدا لا يختص بعصر دون عصر، ولا بقوم دون قوم، لذلك اقتضت الحكمة أن يرتب ترتيبا يحقق هذا العموم، وهذاالخلود، ويبتعد عن الترتيب الزمني الذي نزل به، لحكمة كانت مناسبة حين نزوله ). ٢