وروى الإمام القرطبي، عن ابن وهب، قال :( سمعت سليمان بن بلال، يقول : سمعت ربيعة يسأل : لم قدمت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة، وإنما نزلتا بالمدينة.. ؟ فقال ربيعة : قد قدمتا، وألف القرآن على علم مما ألفه.) ١٦
وبمثل ذلك قال أبو جعفر النحاس، ومحمد بن حمزة بن نصر الكرماني. ١٧
والمختار من هذه الأقوال : أن تأليف السور على هذا الترتيب الذي عليه المصحف توقيفي، لا مجال للاجتهاد فيه، وذلك للأمور التالية :
١- إن استدلال أصحاب القول الأول باختلاف مصاحف الصحابة، يمكن رده : بأن مصحف عثمان – رضي الله عنه وأرضاه – لو كان اجتهاديا لما وافقوه على ذلك، لأنه ليس لمجتهد أن يقلد مجتهدا آخر، كما هو مقرر عند الأصوليين. ثم إن مصاحف الصحابة كانت خاصة بهم، جمعت إلى القرآن بعض مسائل العلم، وبعض المأثورات، فهي إلى كتب العلم أقرب منها إلى المصاحف المجردة، ومن هنا وجدنا الذين استنسخوا المصاحف العثمانية، لم يعتمدوا عليها، بل اعتمدوا على جمع أبي بكر، الذي اعتمد على ما جمع بين يدي النبي – ﷺ -، ومن هنا فقد عدلوا جميعا عن هذه المصاحف، وساروا على ما سار عليه الصحابة جميعا، ووافقوا على مصاحف عثمان، وما فيها من لفظ وترتيب، وترك ما سواها، فلو كان الترتيب بالاجتهاد لظلوا على اجتهادهم، وبهذا ظهر بطلان هذا القول، ويؤكد الألوسي ذلك بقوله :( وبالجملة بعد إجماع الأمة على هذا المصحف، لا ينبغي أن يصاخ إلى آحاد الأخبار، ولا يشرأب إلى تطلع غرائب الآثار ) ١٨
أما ما ذهب إليه البيهقي، والسيوطي، بأن ترتيب السور توقيفي، باستثناء سورتي الأنفال، وبراءة، فيرد عليه من وجهين :-
أولا :- إن هذا الحديث غير صحيح، لقول الترمذي فيه :(حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس، ويزيد هذا مجهول الحال ) ١٩