وهذا الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً، وقد أخرج المرفوع مقاتل بن سليمان البلخي[٧٥] – وهو متهم بالكذب – في كتابه الأشباه والنظائر في القرآن الكريم بإسناده بلفظ ((لا يكون الرجل فقيهاً كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة))[٧٦]. وأخرجه ابن عبدالبر[٧٧] بإسناده من حديث شداد بن أوس[٧٨] (رضي الله عنه) عن النبي r قال: "لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ولا يفقه العبد كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة"[٧٩].
وهذا الطريق ضعيف جداً، وذلك لضعف صدقة بن عبدالله السمين[٨٠]، وكذا فيه أبان بن عياش[٨١] وهو متروك الحديث.
أما الطريق الموقوف فقد جاء موقوفاً على أبي الدرداء رضي الله عنه فقد أخرجه عبدالرزاق[٨٢] من حديث معمر بن راشد[٨٣] عن أيوب السختياني[٨٤] عن أبي قلابة[٨٥] عن أبي الدرداء بلفظ ((لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة))[٨٦] ورجال هذا الإسناد كلهم أئمة جبال.
وأخرجه ابن عبدالبر من طريق عبدالرزاق السابق به.
وأخرجه أبو نعيم[٨٧] من حديث أبي بكر القطيعي[٨٨] – وهو ثقة – عن عبدالله بن أحمد بن حنبل[٨٩] – وهو ثقة – عن أبيه[٩٠] – الإمام أحمد – عن إسماعيل بن عليّه[٩١] – وهو ثقة – عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي الدرداء به[٩٢].
ومما تقدم يظهر أن الحديث يدور على أبواب السختياني – وهو ثقة حجة – عن أبي قلابة – وهو ثقة فاضل لكنه يرسل – وقد أرسل هذا الحديث عن أبي الدرداء، والدليل على إرساله بهذا الحديث: أنه روى عن حذيفة بن اليمان[٩٣] ولم يلحقه – قاله الذهبي[٩٤] –، وحذيفة مات سنة ٣٦، وأبو الدرداء مات سنة ٣٢هـ في الراجح، وقيل سنة ٣١هـ[٩٥]، فيكون على هذا لم يلحق أبا الدرداء من باب أولى.