ولهذه الآيات مغزاها ودلالتها على عظم حق الوالدين، وكيف أنه بلغ من علو المنزلة أن جاء مقترناً بحق الله تبارك وتعالى، وهذا للإشعار بسمو منزلة الوالدين ورفعة قدرهما، وللتنبيه إلى معنى واحد يجمع بين الوصيتين، وهو أن المنعم يجب أن يشكر، فالله تعالى هو الخالق المنعم ؛ فيجب أن يشكر، ويفرد بالعبادة والطاعة، والوالدان هما السبب المباشر لوجود الإنسان في هذه الحياة ؛ فيجب عليه أن يشكرهما، وأن يحسن إليهما إحساناً لا يتقيد بما هو حق أو عدل، بل يتجاوز ذلك ليكون تعاملاً كريماً، "وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا"[٢٢]، لم يقل تعالى: (قولا حقا)، ولا (قولا عدلا)، وإنما وصفه بالكريم، والكرم فيض فوق الحق وفوق العدل. ويلاحظ كذلك أن المأمور بالإحسان هم الأبناء، بينما لانجد آية واحدة تأمر الآباء بالإحسان إلى أبنائهم، ولعل السر في ذلك هو: لفت الأنظار إلى أن إحسان الآباء إلى الأبناء أمر محقق، وواقع منهم بمقتضى فِطْرَةٍ فطرهم الله عليها، وأن الشأن أنه لا يحتاج إلى حث على ذلك، أو دعوة إليه، وهذا أسمى وأعلى وأصدق ألوان التربية السليمة التي يؤيدها الواقع، وبهذا المنهج القويم والتربية الحكيمة تسعد المجتمعات ؛ لأنه متى استقامت العلاقات، وصلحت الأحوال، وقويت الصلات بين الآباء والأولاد ؛ ظهر أثر ذلك في الأفراد والأمم، وأصبح مجتمع الإسلام صورة مشرقة، وقدوة للمجتمعات الأخرى.
الوصية الثالثة: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ".


الصفحة التالية
Icon