والإملاق: شدة الفقر والفاقة، يقال: أملق الرجل إملاقاً، إذا احتاج وافتقر، أي: ولا تقتلوا أولادكم الصغار من أجل الفقر، فنحن قد تكفلنا برزقكم ورزقهم، ومن الجرم الواضح والظلم الفادح الاعتداء على حق هؤلاء الصغار في الحياة، وقد ورد النهي عن قتل الأولاد هنا بقوله تعالى: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ"[٢٣]، وجاء في سورة الإسراء: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ"[٢٤] ؛ لأن الحديث هنا في سورة الأنعام عن فقر واقع فعلاً، فكأنه سبحانه يقول لهم: لا تقتلوهم لفقر واقع فيكم أيها الآباء، ولذا قال سبحانه: "نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ" فجعل الرزق للآباء ابتداء ؛ لأن الفقر الذي يدفعهم لقتل أولادهم حاصل لهم فعلاً، أما في سورة الإسراء فالفقر ليس واقعاً، وإنما هو أمر متوقع لذا قال: "خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ"، أي: خوفاً من فقر متوقع وليس موجوداً فعلاً، ولكنه متوهم لوجود الأولاد، ولهذا جاء التعبير الإلهي مطمئناً للآباء وأنه سبحانه قد تكفل برزق الأولاد، كما تكفل برزق الآباء وبيده خزائن السماوات والأرض، وقد تعهد برزق الجميع: "وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا"[٢٥].
وبمثل هذه التربية الحكيمة تغرس الثقة بالله تعالى، وتنبت الفضائل في النفوس. ولا ريب أن قتل الأولادد من أعظم الذنوب، بل قد يأتي بعد الإشراك بالله.