وقد أولت شريعة الإسلام عنايتها بالأيتام، من تدبير شؤونهم، ورعاية مصالحهم، وليس أدل على ذلك مما ذكره الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، حيث تحدث عن اليتيم في ثلاثة وعشرين موضعاً في القرآن الكريم[٥٢]، كلها تدعوا إلى رعايتهم، والحفاظ على أموالهم، والسهر على مصالحهم، بل وتشدد النكير على من تسول له نفسه أن يعتدي على أموالهم، أو يأكل شيئاً من حقوقهم، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا"[٥٣].
الوصية السابعة: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا".
وهذه المبادلات التجارية بين الناس، في حدود الطاقة، وحسن التصرف والإنصاف، وسياق الوصايا في الآيات يربطها بالعقيدة، والموصي والآمر هو الله جل وعلا، والمعنى: وأتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم، وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون، أو لغيركم فيما تبيعون، فهو أمر من الله تعالى لعباده بإقامة العدل حال التعامل: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ"[٥٤].
فيتعين أن يعطى صاحب الحق حقه من غير نقص، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير زيادة. وهذه الوصية تمثل مبدأ العدل في التعامل، والتعادل بين صاحب الحق ومن له الحق، وحال الناس لا تستقيم إلا بالتعامل وتبادل المنافع.