هذا جانب من فضائل هذه الآيات الثلاث، وذلك هو تأثيرها في النفوس، وهذه الآيات أيضاً تمثل نموذجاً فريداً في التربية الحكيمة، التي يسعد به المجتمع، ويحي في ظلها الأفراد في أمان واطمئنان، ومن يتأمل في هذه الآيات الكريمات ؛ يراها قد رسمت للإنسان علاقته بربه، علاقة ينال بها السعادة في الدنيا والآخرة، ورسمت له علاقته بأسرته بحيث تقوم على المودة والرحمة، وسدت في وجهه أبواب الشر التي تؤدي إلى انتهاك حرمات الأنفس والأموال والأعراض ؛ لأن الإسلام يهدف إلى إيجاد جيل يدرك رسالته في هذه الحياة، إدراكاً واعياً صحيحاً مستنيراً، ويؤدي هذه الرسالة بقوة وأمانة، يدرك أن لله تعالى عليه حقوقاً فيؤديها بإتقان وإخلاص، ويدرك أن لنفسه عليه حقوقاً فيتعهدها بالتهذيب والمحاسبة والتقويم، ويدرك أن لمجتمعه عليه حقوقاً، فيؤدي هذه الحقوق عن رضا وطواعية واختيار، بأمانة وكفاية ونشاط واستقامة، وبذلك تصل الأمم إلى ما تسعى إليه: من عزة ومنعة، ومن غنى وسعادة وأمن واطمئنان.
ومن مفاخر التربية في الإسلام، اتساع دائرتها، وتنوع مجالاتها، وسمو توجيهاتها، وشمولها لكل جانب من جوانب الحياة الإنسانية. إنّها تتعهد الإنسان، سواء كان ذكراً أم أنثى، بالتقويم والتوجيه، والتسديد والرعاية، والترغيب والترهيب، منذ خروجه إلى الدنيا إلى أن ينتهي منها، وتعمل على تسليحه بالفضائل، وتنفيره من الرذائل.
فهذه الوصايا العشر، التي يتصدرها أمر الله بالمنع من الشرك، وتحريمه بصفته الذنب العظيم، الذي لا يغفر: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"[١٤]، وقوله تعالى: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ"[١٥]، والشرك لا يصح معه عمل، ولا يستحق المشرك عن عمله الحسن الثواب، قال تعالى: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا"[١٦].
الوصية الأولى: تحريم الشرك: