وتأمل هل من قَلّدت صوته كان مقلداً لآخر، أم بحكم ما وهبه الله له وتأمل أيضاً هل رأيت عظيماً يشار إليه بالعلم، والفضل، والمكانة يقلد صوت آخر في القراءة، أو في الخطابة، أو في الأذان، أو في الكلام المعتاد والأداء فيه؟!. والشرع يدعو إلى تحسين القارئ صوته، وهذا أمر مشروع في حق من يملكه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وتطلُّبه بالتقليد والمحاكاة، تكليف بما لا يسع العبد في طبعه، فهو غير مطلوب وتكلف العبد ما لا يطيقه كمن يريد شَبْرَ البسيطة. وهذا هو ما تقتضيه ((الفطرة)) التي فطر الله عليها عباده، ودين الإسلام هو الفطرة ؟ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ؟ [الروم: ٣٠]، الآية. فدين الإسلام ينفجر من ينبوع معنى الفطرة، وحقيقة الفطرة: ما فُطِرَ وخُلِقَ عليه الإنسان ظاهراً وباطناً، أي جسداً وعقلاً، فسير الإنسان على قدميه كما يسر الله له فطرة، ومحاولة تقليد غيره في المشي ممن يراه أحسن منه مشية معاكسة للفطرة، وهكذا نطقه بما يسر الله له، وركب فيه من حباله الصوتية، واستعداد حنجرته، ومجاري نَفَسه هذا هو الفطرة.