الوجه الثاني: ما كان مِن ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحةُ به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزانٍ مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلُّم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلفُ، وعابوها، وذمُّوها، ومنعوا القراءَة بها، وأنكروا على من قرأ بها. وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره وكلُّ من له علم بأحوال السلف، يعلم قطعاً أنهم بُرآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرأوا بها، ويُسوِّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن، ويقرأونه بِشجَىً تارة، وبِطَربٍ تارة، وبِشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له، بل أرشد إليه وندب إليه، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به، وقال: ((لَيسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغنَّ بِالقرآنِ)) وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله، والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته - ﷺ -). انتهى.
وتأمل قوله: ((من غير تكليف ولا تمرين ولا تعليم)) فإنه فقه عظيم له دلالاته، فرحم الله ابن القيم ما أدق نظره وفقهه.
٨- هَذُّه كَهَذِّ الشِّعر.
أما هَذُّه ((حَدْراً)) بمعنى إدراج القراءة مع مراعاة أحكامها وسرعتها بما يوافق طبعه، ويخف عليه، فلا تدخل تحت النهي، بل هذه من أنواع القراءة المشروعة.
٩- قراءة الهذرمة.
١٠- ومما يُنهى عنه ((التَّقلِيس))(١)
وفي الأحاديث التي لا طرق لها: ((لما رأوه قَلَّسوا له ثم كفروا)) - أي سجدوا - انتهى.
وفي رواية المزني عن أحمد رحمه الله تعالى ويكره أن يجعلهما على الصدر، وذلك لما روي عن النبي - ﷺ - أنه نهى عن التكفير - وهو وضع اليد على الصدر. انتهى من: بدائع الفوائد ٣ / ٩١. وعنه: التقريب لفقه ابن القيم برقم / ٣٥٤. فهذان النقلان بحاجة إلى مزيد من التحرير والتأمل. وانظر (فصل المقال في شرح الأمثال) ففيه بحث مهم في مادة ((كفر)) منه. والدعاء للعروسي: ٢ / ٥٨٣ حاشية رقم / ٤ وفي: ((فتح الباري)) لابن رحب الحنبلي: ٨ / ٤٣٧، ٣٤٨ بحث عن التقليس بمعنى ضرب الدف في العيد.