وقال ابن عاشور : قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )(١٨)... جملة مستأنفة لابتداء استدلال على انفراد الله تعالى بالإلهية. وهي مرتبطة بمعنى قوله :( يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ *يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) ( الحج ١٢ - ١٣ ) ارتباط الدليل بالمطلوب فإنّ دلائل أحوال المخلوقات كلها عاقِلها وجمادها شاهدة بتفرد الله بالإلهية. وفي تلك الدلالة شهادة على بطلان دعوة من يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه. وما وقع بين هاتين الجملتين استطرادٌ واعتراضٌ... والرؤية : علمية. والخطاب لغير معين... والاستفهام إنكاريّ. أنكر على المخاطبين عدم علمهم بدلالة أحوال المخلوقات على تفرد الله بالإلهية. ويجوز أن يكون الخطاب للنبي ﷺ والاستفهام تقريرياً، لأنّ حصول علم النبي ﷺ بذلك متقرّر من سورة الرعد وسورة النحل... وقد استعمل السجود في حقيقته ومجازه، وهو حسن وإن أباه الزمخشري، ... ، لأن السجود المثبت لكثير من الناس هو السجود الحقيقي، ولولا إرادة ذلك لما احترس بإثباته لكثير من الناس لا لجميعهم.


الصفحة التالية
Icon