ووجه هذا التفكيك أن سجود الموجودات غير الإنسانية ليس إلا دلالة تلك الموجودات على أنها مسخرة بخلق الله، فاستعير السجود لحالة التسخير والانطياع. وأما دلالة حال الإنسان على عبوديته لله تعالى فلما خالطها إعراض كثير من الناس عن السجود لله تعالى، وتلبّسهم بالسجود للأصنام كما هو حال المشركين غطّى سجودهم الحقيقي على السجود المجازي الدال على عبوديتهم لله لأن المشاهدة أقوى من دلالة الحال فلم يثبت لهم السجود الذي أثبت لبقيّة الموجودات وإن كان حاصلاً في حالهم كحال المخلوقات الأخرى... وجملة ( وكثير حق عليه العذاب ) معترضة بالواو... وجملة ( حق عليه العذاب ) مكنّى بها عن ترك السجود لله، أي حق عليهم العذاب لأنهم لم يسجدوا لله، وقد قضى الله في حكمه استحقاق المشرك لعذاب النار. فالذين أشركوا بالله وأعرضوا عن إفراده بالعبادة قد حق عليهم العذاب بما قضى الله به وأنذرهم به... وجملة ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) اعتراض ثان بالواو... والمعنى : أن الله أهانهم باستحقاق العذاب فلا يجدون من يكرمهم بالنصر أو بالشفاعة... وجملة ( إن الله يفعل ما يشاء ) في محل العلة للجملتين المعترضتين لأن وجود حرف التوكيد في أول الجملة مع عدم المنكر يمحّض حرفَ التوكيد إلى إفادة الاهتمام فنشأ من ذلك معنى السببية والتعليل، فتغني( أنّ ) غناء حرف التعليل أو السببية. وهذا موضع سجود من سجود القرآن باتفاق الفقهاء....


الصفحة التالية
Icon