ولعل هذا سر قول الرسول - ﷺ - (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) متفق عليه
أما قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
فقد كاد فقهاء المسلمين أن يجمعوا على أن مس المصحف لا يجوز إلا للمتوضئ.
ومن أجاز ذلك بغير وضوء أجازه للتعليم فقط.
أما للتعبد بتلاوته فلابد من الوضوء. لأن دراسة القرآن عند المسلمين أوجبت هذا الحكم.
ولكن الخلاف بين الفقهاء، يدور حول النقاط الآتية:
أولا: هل قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
هو مصدر الحكم في وجوب التطهر. أم هناك مصدر آخر أخذ منه الحكم؟
من استدل بالآية الكريمة على وجوب الوضوء اعترض عليه بأن لفظ الآية خبرى. وأن (لا) في قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
نافية وليست ناهية. لأنها لو كانت ناهية لجزم الفعل بعدها.
وأجاب أصحاب هذا الرأي بأن الآية الكريمة وإن كانت خبرية لفظاً إلا أنها إنشائية معنى.
فلفظها الخبر ومعناها النهى، وهذا النوع من الآيات موجود كثيرا في القرآن الكريم ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ)
فاللفظ خبرى والمعنى طلبى.
فمعنى الآية لا تنفقوا إلا ابتغاء مرضات الله.
ومنه أيضا قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ)
والمعنى لا تسفكوا دمائكم فالمعنى نهى عن سفك الدماء وإن كان اللفظ خبرياً (١)
- - - - - - - - - -
(١) قصد بالتعبير بالجمل الخبرية عن المعانى الإنشائية هو الإشعار بسرعة استجابة المأمورين بالأمر. فكأن الله سبحانه قال لهم لا تنفقوا إلا ابتغاء مرضات الله، فاستجاب المؤمنون لأمره سبحانه فأخبر عن حالهم بعد الاستجابة بأنهم فعلا أصبحوا لا ينفقون إلا ابتغاء وجه الله.
وقد ورد هذا التعبير في السنة المطهرة في قول الرسول - ﷺ - "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" فاللفظ خبرى والمعنى النهى.