قالوا: إن وصف القبر بأنه (مرقد) يتنافى مع وقوع العذاب فيه.
والواقع أن الكفار خرجوا من عذاب القبر فشاهدوا عذاب الآخرة فاعتبروا عذاب القبر كأنه (مرقدا) بالنسبة لعذاب الآخرة.
إنَّ عذاب الآخرة للروح وللجسد ولا نهاية له.
وعذاب الآخرة تبلى فيه السرائر ويفضح فيه ما في الصدور.
وبعد:
إن مرحلة البرزخ مرحلة غيبية. والغيب نقتصر فيه على ما أخبر صاحب الغيب.
ومرحلة البرزخ لها قانون خاص يختلف عن قانون الحياة الدنيا. ونحن في الدنيا نعلم أن لليقظة قانون وللنوم قانون. وما ذكرته من أن مرحلة البرزخ للروح فقط يجنبنا صعوبات كبيرة في التصور.
فكيف نتصور (سعة القبر) ماديا إلى منتهى البصر؟ لكن تصوره روحيا يتفق مع طبيعة الإسلام التي تحترم عقولنا. ويتفق مع طبيعة اللغة العربية التي تبيح الانتقال من المعنى الظاهر إلى المجاز اللغوي لقرينة مانعة من إرادة المعنى الظاهر. يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)
يقول: دلت الآية على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا في البرزخ، وليس في الآية دليل على اتصال تألمها بالجسد في القبر.
وهذا بالاضافة إلى ما سبق أن ذكرناه من نعيم الجنة وأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسبح في السماء، فدلالة هذه الأحاديث على الروحية واضحة ومع سبح الأرواح في الجنة.. فلم تنقطع صلتها بالأجساد.
فقد كان النبي - ﷺ - يزور شهداء أحُد في قبورهم، مع أنه أخبر أن أرواحهم تسبح في الجنة.
الله وحده يعلم سر هذه المرحلة ولكن الحياة هى حقيقة، وقد استراح صحابة النبي - ﷺ - عندما قبلوا هذه الحقائق