القرآن عن الآخرة، كما استدلوا بمثل قوله تعالى: (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا)
وهذا الفهم صحيح، ويدفع أي إشكال في فهم الآية عن سلف الأمة راضي الله عنهم وعن كل الأجيال التي أعقبتهم، ممن لم يشاهدوا عهد الاكتشافات العلمية لدوران الأرض.
ولكن الذين عاصروا العلم الحديث، وهو يقرأ بعض أسرار الكون، ومنها دوران الأرض حول نفسها، وحول الشمس، يمكنهم إذا تدبروا ألفاظ الآية الكريمة، أن يفهموها فهما آخر، بلا تكلف، ولا تطويع للنص.
تدبر معي قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً)
ونحن في الدنيا ننظر إلى الجبال فنحسبها جامدة أما في الآخرة فتكون الجبال كالعهن المنفوش.. (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ)
ومرور السحاب في الدنيا لأنه لا سحاب في الآخرة (١).
- - - - - - - - - -
(١) ملامح سورة النمل التي ذكرت فيها الآية:
وإذا كان سير الجبال في الدنيا عجيبا، فإن سورة النمل التي ذكرت الآية الكريمة فيها هي سورة العجائب، لقد جاء فيها خبر سليمان مع الطير: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)
وقصة الهدهد بتمامها يمكن أن تقرأها في السورة الكريمة، وهي عجيبة. وفي السورة حديث النملة مع سليمان (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا)
كما أن السورة الكريمة ذكرت قصة سليمان والعفريت: (قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)
ومن الأحداث العجيبة التي ذكرتها السورة الكريمة، خبر الرجل الذي عنده علم من الكتاب، وكيف استطاع أن ينقل عرش ملكة اليمن، في أقل من طرفة عين: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)
وأشارت السورة الكريمة إلى الجانب الحضاري، والعمراني في مملكة سليمان، عمران لم يشهد العالم مثله في أرقى دولة. فقد بنى قصرا على =


الصفحة التالية
Icon