(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)
ومعلوم أن مروها في الدنيا كالسحاب، أمر يحتاج إلى صنع دقيق وصانع حكيم، لذلك وصف الصانع الحكيم نفسه سبحانه بقوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)
والإتقان دليل آخر على ما قلته، لأن الجبال تهدم في الآخرة، والهدم لا يوصف بأنه صنع وإتقان.
والعجيب أن ابن قتيبة في القرن الرابع الهجري قد ذكر في كتابه (تأويل مشكل القرآن) ص ٦ ما يؤيد هذا الرآى
- - - - - - - - - -
= أرضية من زجاج أملس ثم دعا ملكة سبأ إلى دخول القصر، فظنته لجة من ماء راقد، فكشفت عن ساقيها فأعلمها سليمان بالحقيقة: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
ومن الأمور العجيبة التي ذكرتها سورة النمل، أن الخاطئين من قوم لوط، حكموا على الأطهار من أهله بالخروج من القرية، وعللوا أمر الخروج بتعليل عجيب.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)
إن التطهر في المجتمع القذر جريمة، يعاقب عليها بالطرد وويل للشرفاء في غياب الفضيلة.
وفي السورة الكريمة جاء ذكر الدابة التي تخرج من الأرض عند قرب موعد الآخرة تكلم الناس معاتبة، ومسفهة لهم، قال تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)
فالسورة الكريمة سورة النمل كلها عجائب، والكون مشحون بأسرار لا يحيط بها علم البشر.
فإذا ذكرت آيات مرور الجبال كالسحاب فأي عجب في ذلك؟ إن مرور الجبال حقيقة كونية.
ولما كانت السورة الكريمة: تخبر بعجائب الأخبار، التي لم يألفها الناس في حياتهم اليومية نرى القرآن قد أكدا نزوله من عند الله مرتين، مرة في أول السورة
قال تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (١) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)
وفي قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)
ومرة في آخرها، قال تعالى: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ)