وعاشوا مع الناس بغير نفس، ليخلصوا أنفسهم من الأنانية، وعاشوا مع أنفسهم في دوام مراقبة لله.
نطقوا بالشهادتين، بناء عن مشاهدتهم لعظمة الله.
وصلوا لله، فكانت تكبيرة الإحرام ساترا بينهم
وبين الدنيا.
وصاموا عن التفكير في غير الله، وهو صوم خصوص الخصوص.. كما سماه الإمام الغزالي
فرحوا بما أنفقوا في سبيل الله، أكثر من فرحهم بما أبقوا في أيديهم.
وخافوا أن تُرَدَّ عليهم طاعتُهم أكثر من خوفنا من معاصينا: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)
ولكن ليس كل الناس يقوى على هذا السبق.
ليس كل الناس يستطيع أن يصل إلى فناء مادته، ليشهد حقيقة بقائه.
من هنا كان مقام أصحاب اليمين تفضلا من الله على من صدقت نيتهم وقصرت هممهم.
وكثيرا من أصحاب النفوس الكبيرة، والعزائم القوية، يحول بينهم وبين السبق، شظف العيش، وقلة ذات اليد.
ونحن نرى الطالب النابه الزكى، قد يحول بينه وبين تحصيل الأولية انشغاله ببعض الأعمال، التي يستعين بها طالب العلم.
قال الشاعر:

كم طوى الفقر نفوسا لو رعت منبتا خصبا لكانت جوهرا
ومن هنا كان مقام أصحاب اليمين، محض فضل من الله، لمن فاته مقام المقربين.
والآن.. مع نعيم أصحاب اليمين.
قال تعالى: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ)


الصفحة التالية
Icon